الأسماء موضوعة للحقائق المتحدة في الذهن، ومثله بالمعهود بينه وبين مخاطبه، فكما
ــ
الموضوع له حاصل في النكرة أيضًا وأن الفرق بين النكرة والمعرفة اعتبار التعين في المعرفة وعدم اعتباره في النكرة، فوجود التعين المراد من الحضور في عبارة من عبر به في اسم الجنس من غير اعتباره لا يقتضي كونه معرفة واستناده إلى حكمهم على مدخول أل الجنسية بأنه معرفة مع أن المراد بمدخولها الحقيقة من حيث هي من باب الاشتباه لأن المراد بقولهم من حيث هي في كلامهم على مدخول أل الجنسية عدم اعتبار الفرد معها بالكلية لا عدم اعتبار التعين لأنه معتبر في مدخولها كما صرح به السعد في مطوله ومختصره في الكلام على تعريف المسند إليه بأل، وكذا سائر المعارف كما علمت. ومن ثم فرقوا بين علم الجنس ومدخول أل الجنسية بأن دلالة الأول على اعتبار التعين بجوهره والثاني بقرينة أل. والمراد بقولهم من حيث هي في تعريف اسم الجنس عدم اعتبار التعين فيه وتشبثه بأن جعل اسم الجنس قسيمًا للنكرة ينافي حصر الجمهور الاسم في المعرفة والنكرة، ومنهم القائلون بهذا الفرق لا ينهض لأن النكرة تطلق اطلاقين خاصًا وعامًا كما قاله يس وغيره: فتطلق تارة ويراد بها ما قابل المعرفة فتعم اسم الجنس، وتطلق تارة ويراد بها ما قابل اسم الجنس فتخص. إذا أشرقت في سماء بصيرتك شمس أنوار هذا التحقيق عرفت انحلال وقفته بحذافيرها والله ولي التوفيق. وكثيرًا ما يخطر ببالي فرق آخر بين علم الجنس واسمه قريب من الفرق السابق وهو أن الحقيقة الذهنية لها جهتان: جهة تعينها ذهنًا وجهة صدقها على كثيرين، فعلم الجنس هو ما وضع للحقيقة من حيث تعينها ذهنًا بمعنى أن تعينها ذهنًا هو المعتبر الملحوظ في وضعه دون الصدق، فيكون الصدق حاصلًا غير مقصود في وضعه ولهذا كان معرفة، واسم الجنس ما وضع لها من حيث صدقها على كثيرين، بمعنى أن الصدق هو المعتبر الملحوظ في وضعه دون التعين فيكون التعين حاصلًا غير مقصود في وضعه ولهذا كان نكرة عند تجرده من أل والإضافة وهو فرق نفيس، وفي ظني أني رأيت ما يؤيده في كلام بعضهم والذي استوجهه الشيخ الغنيمي وتلميذه الشبراملسي أن الفرق بين اسم الجنس والنكرة بأن اسم الجنس للحقيقة بلا قيد والنكرة للفرد اعتباري وأن كلًا من رجل وأسد يصح أن يكون نكرة واسم جنس بالاعتبارين المذكورين ويمكن مثله في فرقنا أيضًا هذا. وفي حواشي شيخنا السيد أن المراد بالذهن في هذا المقام ذهن المخاطب لأن المعتبر في جميع المعارف تعينها وعهدها في ذهن المخاطب، وكان رحمه الله تعالى يقرر ذلك في دروسه، ويعكر عليه أن بعض أصحاب الفرق الأول وهو المحقق الخسروشاهي شيخ القرافي صرح بأنه ذهن الواضع فاعرف ذلك.
قوله:"أن هذه الأسماء" أي أعلام الأجناس. قوله:"للحقائق المتحدة في الذهن" أي المتوحدة فيه، وانظر هل يقول سيبويه بأن اسم الجنس للحقيقة المتحدة ذهنًا فيكون الفرق بين علم الجنس واسمه عنده اعتبار التعين في علم الجنس دون اسمه كما هو المشهور. أو بأنه للفرد المنتشر فيكون الفرق عنده ظاهرًا ولعل هذا أقرب إلى كلامه. قوله:"ومثله" أي نظيره وشبهه في اعتبار التعين فقط فلا يرد أن الممثل ماهية والممثل به فرد والضمير يرجع إلى الحقائق المتحدة