تنبيهات: الأول ذكر ابن الشجري أنها أعملت في معرفة، وأنشد للنابغة الجعدي:
٢٣٤- وحلت سواد القلب لا أنا باغيا ... سواها ولا عن حبها متراخيا
وتردد رأي الناظم في هذا البيت، فأجاز في شرح التسهيل القياس عليه، وتأوله في شرح الكافية فقال: يمكن عندي أن يجعل أنا مرفوع فعل مضمر ناصب باغيًا على الحال تقديره لا أرى باغيًا، فلما أضمر الفعل برز الضمير وانفصل. ويجوز أن يجعل أنا مبتدأ والفعل المقدر بعده خبرًا ناصبًا باغيًا على الحال. ويكون هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه ونظائره كثيرة منها قولهم: حكمك مسمطًا، أي حكمك لك مسمطًا أي مثبتًا، فجعل مسمطًا وهو حال مغنيًا عن عامله مع كونه غير فعل، فأن يعامل باغيًا
ــ
وهو غير ظرف أو جار ومجرور وأن لا تكون لنفي الجنس نصًّا ولا يرد البيت الآتي أعني تعز إلخ لأن التنصيص على نفي الجنس فيه من القرينة الخارجية لا من نفس لا. قوله:"على ما مر" أي من البيان قيل ومن الخلاف. قوله:"تعز" أي تصبر وتسل والوزر الملجأ، والشاهد في الشطرين وقيل لا شاهد في الشطر الأول لاحتمال أن باقيًا حال من الضمير في على الأرض وعلى الأرض خبر فيكون محتملًا للرفع والنصب. وفيه أنا لو سلمنا أن على الأرض خبر لكان نصب الخبر في الشطر الثاني قرينة على نصبه في الأول وإلا كان تلفيفًا بين لغتين فيكون الاستشهاد بالشطرين غاية الأمر أنه بقرينة الثاني. قوله:"سواد القلب" أي حبته السوداء وباغيًا طالبًا. قوله:"مرفوع فعل" أي على أنه نائب فاعل. قوله:"لا أرى" أي لا أبصر إذ لو كانت علمية لكان المنصوب مفعولًا ثانيًا لا حالًا ولعله لم يجعلها علمية والمنصوب مفعولًا مع أنه أنسب بالمعنى لأن حذف غير القلبي أكثر من حذف القلبي. قوله:"والفعل المقدر بعده" إنما قدر بعده لما مر من وجوب تأخير الخبر الفعلي الرافع لضمير المبتدأ.
قوله:"هذا" أي الوجه الثاني من باب الاستغناء بالمعمول إلخ أي من باب سد الحال مسد الخبر العامل فيها كما يؤخذ مما بعده أي قوله: ونظائره إلخ فلا اعتراض بأن الوجه الأول فيه أيضًا الاستغناء بالمعمول وهو أنا عن العامل وهو فعله المحذوف قاله شيخنا والبعض. ولك أن ترجع اسم الإشارة إلى التأويل بوجهيه ويكون التنظير على وجهه الأول بنحو حكمك مسمطًا في الاستغناء بمطلق معمول عن مطلق عامل وإن لم يكن المعمول حالًا والعامل خبرًا وحينئذٍ فلا اعتراض ولا جواب. قوله:"حكمك مسمطًا" تقدم أن هذا شاذ فلا يناسب التنظير به. قوله:
٢٣٤- البيت من الطويل، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص١٧١؛ والأشباه والنظائر ٨/ ١١٠؛ وتخليص الشواهد ص٢٩٤؛ والجني الداني ص٢٩٨٣؛ وخزانة الأدب ٣/ ٣٣٧؛ والدرر ٢/ ١١٤؛ وشرح التصريح ١/ ١٩٩؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٦١٣؛ ومغني اللبيب ١/ ٢٤٠؛ والمقاصد النحوية ٢/ ١٤١؛ وبلا نسبة في جواهر الأدب ص٢٤٧؛ وشرح ابن عقيل ص١٥٩؛ وهمع الهوامع ١/ ١٢٥.