وليُعْطَ في التَّعريف والتَّنْكيرِ ما ... لِمَا تلا كامْرُرْ بقَوم كُرَمَا
ــ
نحو: اللهم أنا عبدك المسكين المنكسر قلبه، أو توكيد نحو: أمس الدابر المنقضي أمده لا يعود، أو إبهام نحو: تصدقت بصدقة كثيرة أو قليلة ثوابها أو شائع احتسابها، أو تفصيل نحو: مررت برجلين عربي وعجمي كريم أبواهما لئيم أحدهما. ويسمى الأول من هذه الأمثلة نعتًا حقيقيا والثاني سببيا "فليعط" النعت مطلقًا "في التعريف والتنكير ما" أي: الذي "لما تلا" وهو المنعوت "كامرر بقوم كرما" وبقوم كرماء آباؤهم، وبالقوم الكرماء وبالقوم الكرماء آباؤهم.
تنبيهات: الأول ما ذكره من وجوب التبعية في التعريف والتنكير هو مذهب الجمهور. وأجاز الأخفش نعت النكرة إذا خصصت بالمعرفة، وجعل الأوليان صفة لآخران في قوله تعالى:{فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ}[المائدة: ١٠٧] ، وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة، وأجازه ابن الطراوة بشرط كون الوصف خاصا بذلك الموصوف كقوله:
٨٠٩- أَبِيتُ كأنِّي ساوَرَتْنِي ضَئيلَةٌ ... من الرُّفْشِ في أَنْيابِها السمُّ ناقِعُ
ــ
للتوضيح أو التخصيص كذا في التصريح. قوله:"الرجيم" أي: الراجم للناس بالوسوسة أو المرجوم بالشهب أو اللعنة, وكون هذا النعت للذم لا ينافيه كونه تأكيدًا لما فهم من لفظ الشيطان. قوله:"أو إبهام" ينبغي أن يزاد أو شك ويمثل له بمثال الإبهام إذا لم يعرف المتكلم حقيقة الأمر وكان شاكا نبه عليه الدماميني. ثم نقل عن ابن الخباز: أن النعت يجيء لإعلام المخاطب بأن المتكلم عالم بحال المنعوت, كقولك: جاء قاضي بلدك الكريم قيه إذا كان المخاطب يعلم اتصاف القاضي بذلك, ولم تقصد مجرد المدح بل قصدت إعلام مخاطبك بأنك عالم بحال الموصوف. وعن بعضهم أنه قد يكون النعت لإفادة رفعة معناه نحو:{يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}[المائدة: ٤٤] ، أجرى هذا الوصف على النبيين لإفادة عظم قدر الإسلام.
قوله:"في التعريف والتنكير" في بمعنى من البيانية لما الأولى, وقول شيخنا لما في لما تلا سهو والواو بمعنى؛ أو لأن الثابت للمتلوّ أحدهما. وقوله تلا صلة أو صفة جرت على غير ما هي له, ولم يبرز جريًا على المذهب الكوفي. قوله:"بالمعرفة" متعلق بنعت. قوله:"وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة" أي: مطلقًا بقرينة مقابلته بما بعده. قوله:"ساورتني" أي: واثبتني بمعنى وثبت عليّ فالمفاعلة على غير بابها ضئيلة بفتح الضاد المعجمة وكسر الهمزة وهي الحية الدقيقة التي أتى عليها سنون كثيرة فقلّ لحمها واشتد سمها. والرقش بضم الراء وسكون القاف آخره شين معجمة
٨٠٩- البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص٣٣؛ وخزانة الأدب ٢/ ٤٥٧؛ والحيوان ٤/ ٢٤٨؛ والدرر ٦/ ٩؛ وسمط اللآلي ص٤٨٩؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٩٠٢؛ والكتاب ٢/ ٨٩؛ ولسان العرب ٤/ ٥٠٧ "طور" ٥/ ٢٠٢ "نذر"، ٨/ ٣٦٠ "نقع"؛ ومغني اللبيب ٢/ ٥٧٠؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٧٣؛ وبلا نسبة في همع الهوامع ٢/ ١١٧.