للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزمن وبسرعة تختلف باختلاف اللغات, إذ إن السبب الأساسي لأزمات الرسم ينحصر في استحالة مسايرة الرسم لحركة اللغة، وذلك في نفس الوقت خير شهادة على اختلاف اللغة المكتوبة عن اللغة المتكلمة. فاللغة المكتوبة تتطور دون توقف١. أما اللغة المكتوبة فمحافظة بطبعها، لا لأنها تعبير مشخص للغة المشتركة وقد قننها النحاة فحسب، بل أيضا لأنها لا تستطيع التغير بنفس السرعة التي تتغير بها اللغة الكلامية. نعم إن قوة التقاليد تصير أمرا خطيرا عندما تحميها المدرسة والآداب وإجماع المثقفين, ولكن التقاليد هنا ليست العقبة الوحيدة في سبيل تطور الكتابة, فالثبات ضروري للغة المكتوبة، لأنها تعتبر لغة مثالية حددت معالمها نهائيا, ولا يمكن المساس بها إلا بعد فوات الأوان, فمهما عنينا بجعل هذا الكساء مرنا مطابقا لحنايا الجسم الذي يكسوه، فلن نستطيع مطلقا أن نخضعه لنزوات الطبيعة وأن نجعله ينمو بنمو الجسم لأنه شيء ميت يغطي كائنا حيا.

يدهش الإنسان أحيانا من إبطاء اللغة النقية في مسايرتها للتقدم الذي تقوم به اللغة الكلامية في ميدان الصرف والمفردات, فالأكاديمية لم تجز حتى الآن عبارات من قبيل "je m'en rappelle" أو "de facan a ce que"، مع جريانها في الاستعمال منذ قرن, ولكن لا أهمية لذلك، ما دامت هذه العبارات قد أصبحت اليوم من المقررات, وكثير من الاتجاهات المتنوعة التي تبدو في اللغة يكون مصيرها الإخفاق, وإذا كان الاتجاه جديرا بالبقاء فإنه يتطلب وقتا طويلا للوصول إلى غرضه، فإذا فرضنا أنه سجل في نفس اليوم الذي وصل فيه إلى غايته، كان القيام بهذا العمل متأخرا عن أوانه، ما دام هذا الاتجاه قائما مؤثرا منذ زمن طويل، وكذلك الحال بالنسبة للرسم، فإنه لا يعتمد بطبيعة الحال إلا الصور التي محصت وثبتت بالاستعمال مهما كانت دقته ومسارعته نحو التقدم.

ولكن من العسير أن يكون الرسم دائما دقيقا سباقا إلى التقدم, إذ يجب


١ عن تاريخ النطق في الفرنسية انظر تورو Thurot رقم ١٢٦، وروسيه: رقم ١١٢؛ وعن النطق في الإنجليزية. انظر إليس Ellis رقم ٢٣، ١٨٧٣-١٨٧٤.

<<  <   >  >>