وأكد هنا أن توقفه وعدم استمساكه بالأدلة السمعية في المباحث العقلية ليس تقليلًا من شأنها. فهذا لا يقوله مسلم، فضلًا عن إمام وشيخ للإسلام؛ وإنما مناقشة كل فرد بما يليق به، فللمحتكم إلى العقل المفتون به أدلة من جنس ما يحتكم إليه، فهي به أليق؛ إذ يمكن قلب أدلته عليه ومغالطته استهتارًا به.
والرازي يؤمن بأن الأدلة السمعية قد زودت العقل ببراهين قد لا يفطن إليها من تلقاء نفسه.
وإذا وازنا بين براهين العقل وبراهين الشارع التي زود بها العقل، تأكدنا أن البراهين العقلية المنطقية لا توصل إلى المطلوب مباشرة، بخلاف البراهين الشرعية، فهي آيات توصل إلى المطلوب مباشرة {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} .
فمثلًا: قول المنطقيين في الاستدلال على وجود الله: العالم حادث وكل حادث له محدث، فهذا الدليل يثبت المحدث؛ لكنه لا يعين أن يكون المحدث هو الله.
أما براهين القرآن وآياته التي تزود العقل بالدليل المباشر مثل قوله تعالى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فإنها تنص مباشرة على إسناد الخلق إلى الله بالتعيين.
والذي نؤمن به وندين لله به؛ هو أن العقل لا سبيل له وحده إلى اليقين في قضايا الألوهية، وهو لا يوقن إلا مستندًا إلى الأدلة السمعية.
٨- ومن منهجه الرد على الفرق المختلفة ومحاولاته التوفيق والجمع بين الآراء التي تقرب من أهل السنة.