ولي محمد علي شئون مصر في سنة ١٨٠٥ في جو لم يعرف الولاة العثمانيون له شبيهًا من قبل، فقد كان للشعب المصري دخل في هذه التولية فهو الذي طلبها وألح في طلبها، وأقر السلطان هذه الرغبة الشعبية، فآذنت هذه الحالة الجديدة بكتابة صفحة جديدة في تاريخ مصر، ومضى الوالي الجديد يرتب أموره على هذه الحقيقة التاريخية، أي أنه ربط مستقبله وحياته بمستقبل مصر وحياتها، ولم تستطع أساليب الدس في الآستانة وكل مشاكل الأرناءود في القاهرة أن تحول دون ولاية محمد علي لمصر سنة بعد أخرى، ثم قامت الأزمات بين السلطان وواليه وتدخلت الدول العظمى لتصفية الأزمة التركية المصرية تصفية نهائية في سنة ١٨٤٠ وقررت لمحمد علي على ما أقره المصريون من قبل وجعلت له ملك مصر مدى حياته على أن يليه من بعده أعقابه جيلًا بعد جيل.
شهد مصر قبل ولاية محمد علي احتلالًا أجنبيًا مهما يكن أمره فقد برق في حياة المصريين وشغلهم بجديد لم يكن يعرفه الشعب المصري، سواء في الإدارة العامة أو في تفاصيل الحياة المصرية المتباينة، وأصبحت البلاد في مفترق الطرق بعد هذا الاحتلال، يعوزها الاستقرار حتى تتبين ما كان ينوى الفرنسيون صنعه، لذلك لم تختلف كثيرًا الأساليب التي اتبعها محمد علي عن الأساليب التي فرضها الاحتلال الفرنسي، ومن هنا نشأت حاجته إلى الفرنسيين فاستعان بهم لإنشاء مصر الحديثة.
وقد قطعت الحوادث التاريخية في عهد محمد علي بأنه كان مجددًا لمصر في جميع ما صنع في إدارته لها، وأنه كان يدعم نظامه الجديد بما يمكنه من التقدم ويهيئ له أسباب النضج والاستواء، فقد رأى تنظيم مصر إداريًّا في سنة ١٨١٣ فقسم كل مديرية إلى أقسام وعين لكل قسم ناظرًا ولكل مديرية