التعويض عن الأحزاب التي ألغيت، وهي أحزاب لها جذور قوية ليس من السهل اقتلاع هذه الجذور بمرسوم يصدره مجلس قيادة الثورة.
وقد اختفى كثير من صحف العهد الملكي كالبلاغ والمقطم وكوكب الشرق والوفد والمصري وغيرها، بيد أن الجرائد القديمة ذات الوزن والاعتبار مضت تؤدي رسالتها بالرغم من الأحكام العرفية والرقابة على الصحف، وخاصة جريدة المصري التي أخذت جانب المعارضة للثورة في عنف وشدة، وكانت عند قيام الثورة لسانها المتحدث باسمها، ومضت تؤيدها فترة ليست بالقصيرة، وكان كثير من القرارات الطيبة التي أصدرتها الثورة تتم مناقشتها يوم كل جمعة يجتمع فيه أعضاء مجلس الثورة على غداء في بيت أحمد أبو الفتح.
غير أن إلغاء دستور ١٩٢٣ وبقاء مصر بلا دستور، وإلغاء الحزبية والأحزاب، وحكم البلاد بلا برلمان، واضطهاد الأحرار وقيام محاكم للثورة بأسماء متعددة، وفصل الموظفين وحرمانهم من حق التقاضي، ومصادره أموال الخصوم بلا قانون ودون تحقيق، والإسراف في اعتقال معظم أصحاب الفكر، هذا وغيره من الإجراءات التعسفية جعلت القطيعة بين الثورة وجريدة المصري ومحررها خاصة أمرًا لا مفر منه، فهاجر أحمد أبو الفتح وحسين أبو الفتح وصاحب الجريدة محمود أبو الفتح وأغلقت الثورة المصري وهي في ضير الشعب حصن للحريات والديمقراطية، وكان لإغلاقها رنة حزن وأسى في كل بيت ولدى كل حر.
وبقيت الأهرام وأخبار اليوم والأخبار من الصحف القديمة تزاول عملها في هذا الجو الخانق، وحاول صاحبا دار أخبار اليوم علي ومصطفى أمين أن يوائما بين ما تريده الثورة وبين ما تفرضه عليهم واجبات المهنة وآدابها من تحري الحقيقة والدفاع عن رغبات الشعب، وكان ذلك امتحانًا ناء به كاهلهما، فلم يكن يمر يوم إلا وينشط نزاع مرير بينهما وبين مراكز القوى حتى انتهى الأمر بتأميم جرائدهما في سنة ١٩٦١ مع سائر الصحف والمجلات، ثم هاجر علي أمين وسجن توأمه مصطفى تسع سنوات وعذب أقصى تعذيب،