الأول هو ثورة المعلومات التي تعد ثورة حقيقية لا مجازا، لقد أصبح ما كان في حكم الخرافي واقعا مدهشا، وأصبح " التوالد" العلمي بلا حدود. والأمر الثاني هو أن هذه الثورة العلمية أصبحت تهيمن عليها وتوجهها مؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية، هي نفسها التي توجه الحضارة المعاصرة لتهيمن على الكوكب الأرضي كله.
ليس ثمة من خطأ في الثورة العلمية المشار إليها، ولا أظن أن فينا من سيقف موقفا سلبيا أمام الفتوحات العلمية، ولكن الخطر يأتي من المؤسسات المحتكرة للعلم والموجهة له، لقد ثبت واقعيا أن هذه المؤسسات هي مؤسسات مؤدلجة، بمعنى أنها لا تتمتع بحياد العلم وموضوعيته، بل هي مؤسسات تحمل أفكارا رهيبة، مشروعات فكرية وسياسية أقل ما يمكن أن توصف به أنها مشروعات استعلائية متكبرة، تعتقد أن العالم على ضلال إلا من اتبعها، وأنه لا يقوى على فعل شيء ما يعتمد عليها، وترى أن هذا العالم لم يعد يتسع للجميع، فهو فقط لمحتكري الثورة العلمية، وعلى الآخرين الالتزام والتبعية والتقليد.