لقد تغير العالم في ربع القرن الأخير تغيرا يكاد يعيد تشكيل الخريطة الجغرافية والتاريخية والثقافية والروحية، إن لم يكن قد أعاد تشكيلها بالفعل، وهذا ما جعلنا نحس أحيانا أننا لأول مرة في التاريخ نعيش عالما جديدا بمثل هذه الجدة التي لا تعطي الإنسان فرصة للتفكير واتخاذ الموقف الملائم، بل يغرقه بفيض من الأفكار تدفعه مضطرا للانسياق وراء ما يحدث، وكأنه فقد قدرته على التحكم في توازنه.
وقد عبر عن هذا التحول الكاتب البريطاني أنطوني جيدنز حين قال:" كلما تفاقمت التغيرات التي تحدثت عنها في هذا الفصل أدت إلى تشكيل مجتمع عالمي لم يكن موجودا من قبل، ونحن أول جيل يعيش في هذا المجتمع الذي نكاد لا نرى ملامحه الآن. إنه يزعزع أنماط حياتنا أينما كنا. والآن في الأقل لا يعد هذا نظاما عالميا تمليه إرادة بشرية جماعية، وإنما هو فوضى ناجمة عن مزيج من التأثيرات ". (١)
وقد ساعد على هذا التحول الرهيب أمران أساسيان في اعتقادي:
(١) أنطون جيدنز، عالم جامح، ترجمة عباس كاظم وحسن ناظم، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ط١، ص. ٣٩.