مخطوط كوبنهاغن، كما يقول كريكتون نفسه، مشكوك به، والترجمات التي يذكرها غير دقيقة ولا تضيف جديدا. بعد ذلك مباشرة يقول:«واكتشف مخطوطان جديدان عام ١٨٧٨ في مجموعة التحف الأثرية الخاصة بسفير بريطانيا السابق في القسطنطينية، سير جون أمرسون.. وأحدهما لأحمد الطوسي ويعود تاريخه الموثوق لسنة ١٠٤٧ الميلادي، وهذا يجعله أقرب لمخطوط ابن فضلان الأصلي.. مع ذلك يعتبر الباحثون مخطوط الطوسي أقل وثوقا من جميع المصادر، ويتردد كثير من المؤلفين في قبول أعماله لكثرة ما فيه من الأخطاء الظاهرة والتناقضات بالرغم من أنه ينقل مقتطفات مطولة من ابن الفقيه الذي زار بلاد الشمال» . هذا المصدر، وعلى لسان كريكتون مشكوكبه أيضا، ولا يبدو البتة وهو ينقل نصا لابن فضلان وإنما يجمع أحاديث عن بلاد الشمال من مؤلفين مختلفين (ابن الفقيه مثلا كما يقول كريكتون نفسه) .
هنا يبدو كريكتون وهو يخلّط أشد التخليط رغم نبرته الواثقة ظاهريا. ثم يمضي للقول عن مصادر مخطوطاته:«ويقع تاريخ المخطوط الثاني لأمين الرازي بين عامي ١٥٨٥ و ١٥٩٥ الميلاديين. وقد كتب باللغة اللاتينية وترجم مباشرة من النص العربي لمخطوط ابن فضلان كما يقول مؤلفه. ويتضمن مخطوط الرازي بعض النصوص عن أتراك الغزية وعدة مقاطع عن معارك مع «وحوش الضباب» التي لم يرد ذكرها في المصادر الأخرى» . وهنا يحتاج المرء لقليل من الذهن الصافي لكي يميز معاني الكلام في نصّ الروائي كريكتون، وهو أن الرازي ينقل (مقاطع فحسب من نص ابن فضلان) . هذا ما يقوله كذلك د. الدهان في هامش له أوردناه نحن في عملنا: «وأما في كتاب (هفت إقليم) للرازي فالتفصيل يزيد النص أهمية وقد نقل عن مخطوطة لابن فضلان ضاعت» . نص كريكتون نفسه يوحي بأن نص الرازي يتناول جملة من القضايا ولا يتعلق برسالة ابن فضلان لوحدها. ثمة إذن تخليط جديد.
ما تبقّى من تحقيقات كريكتون من طينة المنطق نفسه: جميع الأصول التي يستند إليها مشكوك بها أو أنها تتكلم عن بلاد الشمال استنادا إلى مصادر متعددة، لاتينية خاصة، وليس من مصدر وحيد واحد هو ابن فضلان. ربما ذكرت مصادر كريكتون ابن فضلان عرضا أو عبر مؤلف آخر يستشهد به ولكنّها ليس البتة مخطوطة أصلية