قط ولا ظننا أنه يكون. فرفقنا به إلى أن رضي بخفتان جرجاني «١٥٣» يساوي عشرة دراهم وشقة «١٥٤» باي باف «١٥٥» وأقراص خبز وكف زبيب ومئة جوزة، فلمّا دفعنا هذا إليه سجد لنا، وهذا رسمهم «١٥٦» إذا أكرم الرجل الرجل سجد له، وقال: لولا أن بيوتي نائية عن الطريق لحملت إليكم غنما وبرّا «١٥٧» ، وانصرف عنّا وارتحلنا.
فلمّا كان من غد لقينا رجل واحد من الأتراك، دميم الخلقة، رثّ الثياب، قميء «١٥٨» المنظر، خسيس المخبر، وقد أخذنا مطر شديد فقال: قفوا، فوقفت القافلة بأسرها وهي نحو ثلاثة آلاف دابة وخمسة آلاف رجل، ثم قال: ليس يجوز منكم أحد. فوقفنا طاعة لأمره، فقلنا له: نحن أصدقاء كوذركين، فأقبل يضحك ويقول:
من كوذركين أنا أخرى على لحية كوذركين. ثم قال: بكند يعني الخبز بلغة خوارزم، فدفعت إليه أقراصا، فأخذها وقال: مرّوا قد رحمتكم.
قال: وإذا مرض الرجل منهم وكان له جوار وعبيد، خدموه ولم يقربه أحد من أهل بيته، ويضربون له خيمة ناحية من البيوت، فلا يزال فيها إلى أن يموت أو يبرأ، وإن كان عبدا أو فقيرا رموا به في الصحراء وارتحلوا عنه.
وإذا مات الرجل منهم حفروا له حفيرة كبيرة كهيئة البيت وعمدوا إليه فألبسوه قرطقه «١٥٩» ومنطقته «١٦٠» وقوسه، وجعلوا في يده قدحا من خشب فيه نبيذ، وتركوا بين يديه إناء من خشب فيه نبيذ، وجاءوا بكل ماله فجعلوه معه في ذلك البيت،