إذا ما استحقّت رحلة ابن فضلان التي قام بها سنة ٩٢١ م عناية استثنائية من طرف الباحثين والمحققين، فلأنّها من أوائل الرحلات العربية التي وصلت إلينا. ومقارنة برحلة أبي دلف سنة ٩٤٢، ورحلة المقدسي سنة ٩٨٥- ٩٩٠ م، فإن رحلة ابن فضلان تظلّ مشغولة بهمّ توثيقيّ صرف أكثر من اهتمامها بالشأن الجغرافيّ. إنّها وصف أنثروبولوجيّ يتمحور حول موضوع واحد محدّد لا يحيد عنه رغم قصر النّسخة الواصلة إلينا.
لقد انطلق ابن فضلان يوم الخميس ١١ صفر سنة ٣٠٩ هـ، الموافق ٢١ حزيران سنة ٩٢١ م، برحلة شائقة بتكليف من الخليفة المقتدر العباسيّ الذي طلب الصقالبة العون منه. واستغرقت الرحلة أحد عشر شهرا في الذّهاب، وكانت مليئة بالمغامرات والمشاقّ والمصاعب السياسيّة والانفتاحات على الآخر المختلف ثقافيا.
والصقالبة هم سكّان شمال القارّة الأوربيّة، وكانوا يسكنون على أطراف نهر الفولغا، وتقع عاصمتهم بالقرب من (قازان) اليوم في خطّ يوازي مدينة موسكو.
وكان وفد الخليفة المقتدر إلى ملك الصقالبة يتكوّن من أربعة رجال أساسيين وبضعة مرافقين من الفقهاء والمعلمين والغلمان.