وذلك أنّ الرجل الفقير منهم يعملون له سفنة صغيرة ويجعلونه فيها ويحرقونها، والغنيّ يجمعون ماله ويجعلونه ثلاثة أثلاث: فثلث لأهله وثلث يقطعون له به ثيابا وثلث ينبذون به نبيذا يشربونه يوم تقتل جاريته نفسها وتحرق مع مولاها.
وهم مستهترون «٣٣٦» بالنبيذ يشربونه ليلا ونهارا، وربّما مات الواحد منهم والقدح في يده. وإذا مات الرئيس منهم قال أهله لجواريه وغلمانه: من منكم يموت معه فيقول بعضهم: أنا. فإذا قال ذلك فقد وجب عليه لا يستوي له أن يرجع أبدا، ولو أراد ذلك ما ترك وأكثر من يفعل هذا الجواري.
فلمّا مات ذلك الرجل الذي قدّمت ذكره قالوا لجواريه: من يموت معه فقالت إحداهن: أنا، فوكلوا بها جاريتين تحفظانها وتكونان معها حيث سلكت حتى إنّها ربما غسلتا رجليها بأيديهما، وأخذوا في شأنه وقطع الثياب له وإصلاح ما يحتاج إليه والجارية في كل يوم تشرب وتغني فرحة مستبشرة.
فلمّا كان اليوم الذي يحرق فيه هو والجارية حضرت إلى النهر الذي فيه سفينته فإذا هي قد أخرجت، وجعل لها أربعة أركان من خشب الخدنك وغيره، وجعل أيضا حولها مثل الأنابير «٣٣٧» الكبار من الخشب ثم مدّت حتى جعلت على ذلك الخشب، وأقبلوا يذهبون ويجيئون ويتكلمون بكلام لا أفهم وهو بعد في قبره لم يخرجوه، ثم جاءوا بسرير فجعلوه على السفينة وغشوه بالمضربات «٣٣٨» الديباج الرومي «٣٣٩» والمساند الديباج الرومي، ثم جاءت امرأة عجوز يقولون لها ملك الموت ففرشت على السرير الفرش التي ذكرنا وهي وليت خياطته وإصلاحه وهي تقتل