الإطلاق تتبادر إلى الاثنين على أنا لو حملنا عبارته على أكثر نصاب الشهادة فهو أربعة [كما في الزنا] والتواتر لا يكفي فيه الأربعة.
واعلم أنه قال الحافظ ابن حجر إنه رأي في تصانيف الجاحظ أحد المعتزلة أن الخبر لا يصح عندهم إلا إن رواه أربعة وعن أبي علي الجبائي أحد المعتزلة كما حكاه أبو الحسين البصري في المعتمد أن الخبر لا يقبل إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر وعضده موافقة ظاهر الكتاب أو ظاهر خبر آخر أو يكون قد اشتهر بين الصحابة أو عمل بعضهم انتهى.
وفي مختصر المنتهى لابن الحاجب أن الجبائي يقول لا يجوز التعبد بخبر الواحد عقلا وأما وجوب العمل به فإنه نسب عدم وجوب العمل به إلى القاشاني وابن داود والرافضة وجعلها مسألتين.
"وعندي أنه" أي ابن الصلاح "لو لم يقيد نقي الخلاف بذلك" أي بقوله عند المحدثين "كما فعل الشيخ تقي الدين" ابن دقيق العيد فإنه قال لو قيل هذا الحديث الصحيح المجمع على صحته فإنه أطلق الإجماع ولم يقيده بالمحدثين ولا غيرهم لكان أي الحد مع عدم التقييد "صحيحا ويحمل على إجماع الصحابة" أي يحمل رسم ابن الصلاح للصحيح بتلك القيود على أنه أراد إجماع الصحابة والمراد إجماعهم على قبول من له تلك الأوصاف لا أنهم رسموا الصحيح فإن هذا التقسيم للحديث عرف حادث بعد عصرهم "ومن بعدهم" من التابعين "حتى حدث هذا الخلاف" أي خلاف المعتزلة.
قلت: في كلام المصنف رحمه الله تعالى أبحاث:
أحدها: أن الصحابة لم يجمعوا على قبول من له هذه الأوصاف فإنه سيأتي للمصنف رحمه الله تعالى أن عليا كرم الله وجهه يحلف الراوي وقد علم من كتب الحديث أن عمر١ رضي الله عنه رد خبر المغيرة ورد خبر أبي موسى حتى انضم إليهما غيرهما ورد خبر فاطمة بنت قيس ورد على رضي الله عنه خبر معقل بن سنان وقال أعرابي بوال على عقبيه وإن قيل إنه لم يصح عنه ثم كانوا يقبلون
١ عمر هو: ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي المدني أمير المؤمنين، كان من قديمي الإسلام والهجرة، وممن صلى إلى القبلتين، وشهد المشاهد كلها. ومات سنة "٢٣". له ترجمة في: أسد الغابة "٤/١٤٥"، والإصابة "٢/٥١١"، وشذرات الذهب "١/٣٣".