الأمرين كما عرفت ومنه تعرف أن أبا داود قائل برأي المتأخرين والأكثرين ويحتمل أن يريد زين الدين إن حملنا صالحا في عبارة أبي داود على الصحيح بالمعنى الأعم رفع له إلى فوق رتبة الحسن لأنه يشمل الصحيح بالمعنى الأخص الأحوط وصفه بالتحقق وهو الحسن لكنه قال أبو الفتح إن أبا داود لم يرسم شيئا بالحسن فكيف يثبت له شيئا لم يقله سيما وقد قال إنه صالح وبعضه أصح من بعض.
وبهذا علم أن رأي أبي داود هو الثاني: أعني إدراج الحسن في الصحيح هذا وقول المصنف إن الشيخين جعلا أحاديث مسلم وأبي داود مستوية لا يخلو عن تأمل لأن الزين قال إن مسلما شرط الصحة فليس لنا أن نحكم على حديث خرجه أنه حسن لما تقدم من قصور رتبة الحسن ووصف أحاديث أبي داود المسكوت عنها بالحسن الذي رتبته أنقص من رتبة الصحيح فهذا يشعر بأنه لم يسو بينهما وأما أبو الفتح فظاهر عبارته التسوية "فإما أن يريدوا" أي أبو الفتح والزين ومن تبعهما "المساواة بينهما" أي بين أحاديثهما "في أن كل واحد منهما واجب القبول عند مخرجه فذلك قريب ولا يقتضي المساواة المطلقة أو يريدوا أنهما سواء على الإطلاق فذلك غير صحيح" لما ذكره من قوله "فإن من أنس بعلم الأثر وطالع كتب الرجال" أي تراجم العلماء في كتب الرجال التي وضعت لبيان أحوال الرواة وغيرهم "لم يشك أن مسلما كان أكثر احتياطا من أبي داود" في الرواة "كما لا يشك أن البخاري كان اكثر احتياطا من مسلم وإن كان مقصد الكل" من الثلاثة "حسنا فإن من تساهل منهم لم يحمله على التساهل هوى وإنما حمله أنه رأى أن قبول ما رواه واجب ورده حرام فاحتاط كل منهم للمسلمين فجزاهم الله أفضل الجزاء".
ومن الأدلة أن مسلما وإن روى عن بعض الضعفاء فإنه يعتمده قوله "وقد روى النووي في شرح مسلم أن مسلما ذكر أنه ربما أخرج الحديث في الصحيح" أي في كتابه المسمى بالصحيح "بالإسناد الضعيف لعلوه وله إسناد صحيح معروف عند أهل هذا الشأن فقد تركه نزولا استغناء بشهرته وهذا يدل بالنص على أن مسلما وإن روى عن بعض الضعفاء لم يدل على أنه اعتمدهم ولذا ضعف المحققون قول من يقول صحيح على شرط مسلم لمجرد إسناده إلى رواة مسلم" فإنه ليس كل من في صحيحه من الرواة غير ضعيف إذ قد صرح بأن فيهم الضعيف لكن ليس فيه حديث ضعيف "وهذا جواب واضح على اليعمري وزين الدين" عما زعماه من مساواة حديث مسلم