"واعلم أن المقصود بهذا الكلام هو التعريف بأن حديث مسلم عند التعارض أرجح من حديث أبي داود لمن لم يتمكن من البحث عن إسنادهما والكشف عما قيل في رجالهما وجميع ما يتعلق بهما من علوم الحديث وذلك" أي وجه ترجيح حديث مسلم عند التعارض "لما تقدم من أن جماعة من الثقات قد ادعوا الإجماع على صحة كتاب مسلم" يقال: كيف تتم هذه الدعوى مع أنه قد صرح أنه قد ينزل عن الثقات وأهل الإتقان إلى من هو دونهم فلا بد من حمل الصحة المتفق عليها على ما يشمل مراتب الصحة التي يدخل فيها الحسن لكن ظاهر ما سلف للمصنف أن الإتقان على الصحة بالمعنى الأخص وقد تقدم عن الحافظ ابن حجر ما نقلناه من تحقيق حال أحاديث مسلم بما يرفع درجته عن أحاديث أبي داود.
"ولم يختلف في الترجيح لما تلقته الأمة بالقبول على غيره من الصحيح المقبول" فإن ما تلقته الأمة بالقبول أرجح من غيره من الصحيح الغير المتلقي والتلقي من الأمة وقع للصحيحين كما سلف ولم يقع التلقي لسنن أبي داود فأحاديث مسلم أرجح إذا عارضها صحيح غير البخاري فكيف إذا عارضها ما فيه الحسن ونحوه وتقدم البحث عن دعوى التلقي.
"وإنما وقع الخلاف" بين الأمة "في أن المتلقي بالقبول هل يفيد العلم الاستدلالي أم لا وقد مر ذلك" ومر ما فيه "فمن قال إنه يفيد العلم قدم مسلما على الإطلاق" سواء كان من أهل البحث أو من غيرهم "ومن قال إنه يفيد الظن فإن لم يكن من أهل الكشف" أي البحث عن أسانيد "قدمه أيضا" لأنه يجب العمل بالظن عند عدم أقوى منه "وإن كان من أهل الكشف بحث" عن أسانيد المتعارضين من حديث مسلم وحديث أبي داود "فإن حصل له من البحث ظن أرجح" إما بترجيح حديث مسلم أو ترجيح حديث أبي داود "من الظن الحاصل من تلقي الأمة بالقبول صار إليه" إلى ما رجح له لأنه لا يعمل بظن مرجوح عند وجود ظن راجح "وإن كان تلقي الأمة بالقبول أرجح في ظنه عمل به وأهل الكشف هم المتمكنون من النظر في الأسانيد والكشف عن أحوال الرواة".
"فإن قيل: قد نقل الحافظ ابن النحوي في البدر المنير والحافظ زين الدين في التبصرة عن الحافظ أبي عبد الله بن منده أنه قال عن أبي داود إنه يخرج الإسناد