الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه عنده أقوى من رأي الرجال" وقدمنا هذا قريبا "وهذا يقتضي أن في ما سكت عنه ضعيفا عنده لا يجوز العمل به" لأنه لا يعمل إلا بصحيح أو حسن وهذا خارج عنهما لأنه ضعيف لم يعضده خبر آخر بل لم نجد غيره "وذلك الضعيف" الذي صرح أبو داود بإخراجه في كتابه "غير متميز عن غيره فوجب ترك الجميع" أي جميع ما سكت عنه لأنه وإن كان فيه ما يصح به العمل لكنه لم يتميز عما لا يصح.
"ولم يحل الاحتجاج بشيء منها إلا بعد الكشف عن أحوال رجالها في كتب الجرح والتعديل وهذا خلاف ما عليه العمل" من العلماء فإنهم يحتجون بما سكت عنه أبو داود كما تقدم "وخلاف ما نص عليه الحفاظ كابن الصلاح والنووي وزين الدين بن العراقي وسراج الدين بن النحوي وغيرهم" فإنهم قالوا نحتج بما سكت عنه أبو داود إلا أن يظهر في بعضها أمر يقدح في الصحة والحسن وجب ترك ذلك كما نقله المصنف عن النووي قريبا وتقدم الكلام في أن ما سكت عنه أنه يحتمل الصحة والحسن.
"قلت: الجواب أن ذلك لا يشكل إلا على من كان لا يعرف ما اصطلح عليه القوم في باب مراتب الجرح والتعديل وغيره من أبواب علوم الحديث وأنت إذا بلغت هذا الباب" من الجرح والتعديل "عرفت أنهم يطلقون الضعيف على العدل في دينه المتوسط في مراتب الحفظ والإتقان" لا يخفى أنهم إن أرادوا هذه فهذه صفة رواة الحسن الذي خف ضبطهم "وقد نص زين الدين في مراتب التجريح الخمس على أن الضعيف وهو في المرتبة الرابعة منها" أي من مراتب التجريح "يكتب حديثه وحديث من في مرتبته" لا فائدة لزيادته "ومن في المرتبة الخامسة للاعتبار بهم" وقد تقدم للمصنف هذا وتقدم ما عليه "دون أهل المراتب المتقدمة من المجروحين" فإنه لا يكتب حديثهم لذلك.
"وروى عن أبي حاتم في" أهل "مراتب التعديل الخمس أن أهل المرتبة الرابعة منهم يكتب حديثهم للاعتبار بهم وهم" أي أهل المرتبة من مراتب التعديل "من قيل فيه إنه صالح الحديث" قد عرفت أنه قال أبو داود إن ما سكت عنه من الحديث فإنه صالح وجعلوا هذه العبارة تحتمل الصحة والحسن "أو محله الصدق أو شيخ أو وسط أو شيخ وسط أو مقارب الحديث أو نحو ذلك" بفتح الراء وكسرها كما قال الزين واعلم أن ابن معين قال من قيل فيه إنه ضعيف فليس بثقة ولا يكتب حديثه نقله عن زين الدين وذكر في ذلك خلافا سيأتي بيانه "كما سيأتي إن شاء الله في موضعه".