فالتابعون لم يتم إجماعهم وإن أريد إجماع الصحابة على قبول مراسيلهم فلا يسمى ما جاء عنهم مرسلا كما عرفت من تعريف المرسل إلا على التعريف بأنه ما سقط منه راو وإذا عرفت تعريف المرسل بكل تعريف عرفت أن لا يصح أن يقال مرسل الصحابة إذ لا مرسل لهم ففي قولهم مرسل الصحابة تسامح.
"وثانيهما" أي وجهي عدم حجية ما ذكر على تقدير التسليم "أن المرسل" اسم فاعل "في ذلك الزمان لم يكن يرسل إلا عن عدل" لأن العدالة غالبة في أهل ذلك العصر "ألا ترى أن ابن عباس وأبا هريرة لما أخبرا عمن أرسلا كيف أسندا الحديث إلى عدلين" أسامة بن زيد والفضل ابن العباس "فإن جوزنا إسناد الرواية إلى غير عدل في ذلك الزمان فذلك نادر ولا نادر غير معتبر ولا يجب الاحتراز منه لأنه مرجوح" والعمل على الراجح "بل قال ابن سيرين إنهم" أي الصحابة "لم يكونوا يبحثون عن الإسناد حتى ظهرت البدع وحافظوا على الإسناد ليعرفوا حديث أهل السنة" فيأخذوا به "من حديث أهل البدعة" فيتركونه ويأتي ما في هذا.
"فإذا ثبت إجماع الصحابة على قبول مراسيل أهل ذلك العصر لم يكن حجة عامة على قبول كل مرسل" لأن الدليل الخاص لا ينطبق على المدعي العام "وبيانه أنه احتجاج بفعل" وهو القبول من البعض والسكوت من الآخرين "والفعل لا عموم له" إذ العموم والخصوص من خواص الأقوال.
"وهذا سؤال وارد فلعل الصحابة لو رأوا ما حدث في الناس من التساهل في رواية الحديث لبحثوا أشد البحث فقد روى مسلم عن ابن عباس أنه سمع رجلا" هو بشير مصغر بشر بالمعجمة بعد الموحدة آخره راء بن كعب "يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينظر إليه فقيل له في ذلك" القائل هو بشير فإنه قال لابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع "فقال" ابن عباس "إنا كنا إذا سمعنا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصغينا إليه فلما ركب الناس الصعب والذلول" قال النووي في شرح مسلم أصل الصعب والذلول في الإبل والصعب العسر المرغوب عنه ولا ذلول السهل الطيب المرغوب فيه والمعنى سلكوا كل مسلك مما يحمد ويذم "لم نأخذ من الناس" أي من أحاديثهم "إلا ما نعرف رواه مسلم في مقدمة كتابه" الصحيح فقال ثنا أبو أيوب سليمان ابن عبد الله الغيلاني ثنا أبو عامر يعني العقدي أنبأنا رباح عن قيس ابن سعد عن مجاهد قال جاء بشير العدوي