فيه فأما الأول فهو أن المحدثين قالوا إن الحمل على السلامة يزول متى انكشف خلافه" إذ الحمل على السلامة مجرد إحسان ظن فإذا ما يطل الظن دل على عدم صحة أمارته "قالوا ونحن قد جربنا وساء لنا الثقات" على ثلاثة أوجه:
الأول: قوله: "فمنهم من أسند الرواية" التي أرسلها "إلى ما لا يرضاه المرسل هو بنفسه ولا غيره" من ذلك قول أبي حنيفة ما رأيت أكذب من جابر الجعفي وحديثه عنه موجود وقول الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذابا وحديثه عنه موجود.
والثاني: قوله: "ومنهم من أسند الرواية إلى من يقبله" هو "وغيره لا يقبله فقد وقع الاختلاف في الجرح والتعديل كثيرا" فقد أسند الشافعي عن ابن أبي يحيى وأسند مالك عن عبد الملك بن أبي المخارق وأحمد بن حنبل عن عامر بن صالح والكل متكلم فيه كما يأتي آخر هذا البحث.
والثالث: قوله: "ومنهم من أسند الرواية إلى ثقة مقبول" كما تقدم في حديث البراء وأبي هريرة.
إن قيل: ما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة إلى الإرسال قلت: قال الحافظ ابن حجر إن له أسبابا منها أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده فيرسل اعتمادا على صحته عن شيوخه كما صح عن ابراهيم النخعي أنه قال ما حدثتكم عن ابن مسعود فقد سمعته عن غير واحد وما حدثتكم به وسميت فهو عمن سميت ومنها أن يكون نسى من حدثه وعرف المتن فذكره مرسلا لأن أصل طريقته أن لا يحمل إلا عن ثقة ومنها أن لا يقصد التحديث بل يذكره على وجه المذاكرة أو على جهة الفتوى فيذكر المتن لأنه المقصود في تلك الحالة دون السند ولا سيما إذا كان السامع عارفا بمن روى فتركه لشهرته وغير ذلك من الأسباب.
"قالوا" أي أئمة الحديث "فلأجل اختلاف أحوال الثقات" ممن يطوون ذكره عند الإرسال "لم نأمن أن يكون المرسل ممن يرسل عن الضعفاء بمرة فاحترزنا وتركنا الجميع" سيما وقد حصل لهم من التتبع أن المرسل عن الثقات المتفق عليهم قسما واحدا فصار معلوم بين القسمين الآخرين ومجهولا أيضا.
"وأما الأصل الثاني" من الأصلين الذين بنى عليهما الأصل الثالث "وهو قول أصحابنا إن عدم القبول تهمة للمرسل بقبيح" وهو الكذب ونحوه والتهمة لا يجوز العمل عليها "فهو أيضا يشتمل على نقض لجواب المحدثين المقدم" وهو قولهم ونحن