للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخبار العدول بأنهم ثقات حفاظ فقبولنا لخبره بأن الحديث قد عدلت نقلت: هـ كقبوله لأخبار الثقات بأن الرواة الذين رووا عنهم حفاظ ثقات فكما أنهم لا يجعلون البخاري مقلدا في التصحيح مع أن عدالة من صحح أحاديثهم متلقاة عن إخبار من قبله فكذلك نحن في قبولنا لأخباره بعدالة رواة الحديث الذي صححه.

وأنت إذا نظرت إلى أئمة النقاد كالحاكم أبي عبد الله وأبي الحسن الدارقطني وابن خزيمة ونحوهم كالحافظ المنذري وجدت تصحيحهم لأحاديث قوم وتضعيفهم لأحاديث آخرين دائرا على الاستناد إلى كلام الحفاظ فبلهم كيحيى بن معين وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم من أئمة هذا الشأن وأنه ثبت لهم عنهم أو عن أحدهم الأخبار بأن فلانا حجة أو عدل أو ثبت أو نحوها من عبارات التعديل وكذلك التضعيف يدور على إخبار أولئك وأمثالهم بأن فلانا كذاب أو نحوه ثم حكموا بصحة الحديث أو ضعفه مستندين في الأمرين على إخبار من قبلهم ألا ترى أنه تجنب الرواية عن ابن اسحق جماعة من أئمة الصحيح لكلام مالك وقدحه فيه وتجنب الرواية عن الحارث الأعور من تجنبها لقدح الشعبي فيه مع أنهم لم يلاقوا الحارث ولا ابن اسحق وإنما قبلوا أخبار من لاقاهم فعرفت أن البخاري ومسلما مثلا لم يلقيا إلا شيوخهما وبين شيوخها إلى الصحابة وسائط كثيرون اعتمدوا في توثيقهم وعدمه على الرواية عن الأئمة من قبلهم.

فإذا كان الواقع من مثل البخاري من تصحيحه الأحاديث تقليدا لأنه بناه على إخبار غيره عن أحوال الرواة الذين صحح حديثهم كان كل قابل لخبر من أخبار الثقات مقلدا وإن كان الواقع من التصحيح من البخاري مثلا اجتهادا مع بنائه على قبوله لأخبار من قبله عن صفات الرواة فيكون أيضا قبولنا الخبر البخاري عن صحة الحديث المتفرع عن إخبار الثقات اجتهادا فإنه لا فرق بين الأخبار بأن هؤلاء الرواة ثقات حفاظ وبين الأخبار بأن الحديث صحيح وإلا بالإجمال والتفصيل وكأهم عدلوا عن التفصيل إلى الإجمال اختصارا أو تقريبا لأنهم عقبوا كل حديث بقولهم رواته عدول تاموا الضبط ورووه متصلا ولا شذوذ فيهولا علة لطالت مسافة الكلام وضاق نطاق الكتاب الذي يؤلفونه من الاستيفاء لأحاديث الأحكام فضلا عما سواها من الأحاديث على أن هذا التفصيل لو جاءوا به لا يخلو عن الإجمال إذ لم يذكر فيه كل راو على انفراده بصفاته بل التحقيق أن قولهم عدل مراد به آت بالواجبات مجتنب للمقبحات

<<  <  ج: ص:  >  >>