يأتي "ومن لم يحصل له ظن فله أن لا يعمل بها" إذ مدار العمل على العلم أو الظن والأول قد تعذر فلم يبق إلا الظن إلا أن كلامه ظاهر في عدم وجوب العمل بها عند حصول الظن والظاهر أنه يجب إذا لم يجد غيرها وقوله فله أن لا يعمل بها بل الظاهر أنه يحرم عليه العمل لأنه لا يكون إلا عن علم أو ظن والفرض عدمهما فكان الأولى أن يقول فعليه أن لا يعمل بها.
"ويختلف الناس فيها" أي في المنزلة الثانية "على حسب اطلاعهم على أحوال هؤلاء في كتب تواريخ الرجال" ويحصل بذلك ظن الصحة أو عدمه.
"لكن ليس لنا أن نحكم بتعذر المنزلة الأولى" ولا بثبوتها "إلا بعد البحث التام من أهل المعرفة التامة" عن النصين اللذين ذكرهما المصنف "والله أعلم" وذلك لأن الحكم على الأمور والنقلية إثباتا ونفيا لا يتم إلا بعد كمال الإستقراء لكتب تاريخ الرجال وكذلك المنزلة الثانية ليس لنا أن نحكم بتعذرها أو عدمه إلا بعد البحث التام أيضا فإنهما من الأمور النقلية أيضا.
"فهذا الوجه" الذي "ذكروه" أي أئمة هذا الشأن في العذر عن رواية الشيخين عن المدلسين وهو ما نقله عن النووي وعن صاحب القدح المعلي وقد ذكر أيضا المصنف وجها من العذر لنفسه حيث قال قلت: ويحتمل إلى آخره ثم قال:
"وعندي وجه آخر" أي في العذر عنهم في ذلك وسماه آخر إما بالنسبة إلى الوجه الذي تقدم له وهو غير هذا الوجه فإن الذي تقدم له هو احتمال أن الشيخين عرفا لما روياه عنه من الحديث المدلس توابع إلى آخر كلامه أو بالنسبة إلى ما اعتذر به غير أو بالنسبة إلى عذره السابق وعذر غيره "وهو أن التدليس الصادر عن الثقات الرفعا مثل تدليس سفيان الثوري والحسن البصري ونحوهما نوع من الضعف" في الرواية "والقريب المختلف في قبوله فهو مما ينجبر بالمتابعات" والشواهد حتى يصبر بهما صحيحا لغيره "وقد عرفنا من طريق مشيخة الحديث أن الضعف القريب إذا انجبر بكثرة المتابعات ارتقى من الضعف إلى القوة" حتى يصير صحيحا لغيره.
"قال النووي وهذا" أي انجبار الضعيف بكثرة المتابعات "مشهور عنهم وروى النووي عن مسلم تنصيصا" أي نص عليه مسلم "أنه يروى الحديث بالإسناد الضعيف لعلوه ويترك الإسناد الصحيح النازل" لذلك الحديث الذي رواه بالإسناد الضعيف "لشهرته عند أهل هذا الشأن فيحصل للإسناد الضعيف بشهرة الإسناد الصحيح جابر