يعرف مذهبه في المدلسين" فإنا لا نحكم له بهذا الحكم فيما دلسه "وهذا الكلام ينزل منزلتين:
إحداهما: أن يكون البخاري ومسلم ونحوهما ممن صحح حديث المدلسين قد نص على أن عنعنة المدلس غير صحيحة وأن يكون قد نص على أن ذلك المدلس مدلس عنده إذ من الجائز أنه لم يعرف أنه مدلس وقبل عنعنته بناء على عدالته".
فقد عرفت من مجموع ما سلف من كلام المصنف وكلامنا أن بين الشيخين في الحديث المعنعن خلافا فالبخاري يشترط اللقاء بين الراوي ومن عنعن عنه ومسلم يكتفي بإمكانه وكل من الشيخين يرى المعنعن الذي على شرطه متصلا وحينئذ فما رواه كل واحد منهما بالعنعنة في كتابه فهو متصل على أصله وحجة يجب العمل بها عنده وأما عنعنة المدلس فهي نوع من مطلقها وليس لهما كلام خاص فيها وكأنه لذلك تردد المصنف في ذلك وفي قوله بناء على عدالته تأمل لأنهم لم يجعلوا التدليس قادحا في الراوي كما عرفت.
"وفي هذه المنزلة يقوى حمل أئمة الحديث على ذلك" أي على أنهم قد عرفوا اتصال ما رووه عن المدلسين من غير تلك الطريق "قوة" مصدر تأكيدي بعد وصفه بقوله تطمئن إلخ صار نوعيا "تطمئن بها النفس" إلا أنه من البعيد أن يجهل الشيخان مثلا المدلسين من الرواة غاية البعد.
"المنزلة الثانية أن لا يثبت نصهم على شيء من ذلك" أي لا على أن عنعنة المدلس غير صحيحة ولا على أن ذلك المدلس مدلس "أو يثبت" نصهم "على بعض ذلك" كعدم صحة حديث المدلس "دون بعض ولكن يغلب على الظن" أي ظن الناظر المجهتد "مع شهرة أولئك بالتدليس ومع معرفة أئمة الحديث لأحوال الرجال" يغلب في الظن "أنهم يعرفون تدليسهم ويغلب أيضا على الظن أنهم لا يقبلون عنعنة المدلسين" والأمارة التي تثير هذا الظن هي قوله "لأن حفاظ الحديث" ونقلة مذاهب أئمته في الرواة "ما نقلوا ذلك" أي قبول عنعنة المدلسين "عنهم" عن رأي أئمتهم "والعادة" المعزوفة لنقلة الحديث ومذاهب أئمته تقضي "بنقل مثله عن مثلهم فهذه المنزلة دون تلك في القوة بكثير" أي في الدلالة على أن أئمة الصحيح قد عرفوا اتصال ما رووه بالعنعنة عن المدلسين من غير تلك الطريق.
"ومن ظن صحتها وترجحت له" بظن اتصالها "كان له أن يعمل بها" أي وجوبا كما