للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اعلم أن هذا الاستدلال من المنصور بالله وذكر معارضة الحديثين مبني على أن حديث "خير القرون" ١ قاض بأن التفضيل بين القرون بالنظر إلى كل فرد فرد وإلى هذا ذهب الجمهور وذهب ابن عبد البر إلى أن التفضيل إنما هو بالنسبة إلى مجموع الصحابة فإنهم أفضل ممن بعدهم لا كل فرد احتج بحديث "أمتي كالمطر" إلخ ما تقدم قريبا ربما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ثعلبة يرفعه "تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين" قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: "بل منكم" ٢ وبحديث عمر يرفعه: "أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني" أخرجه الطيالسي٣ وهو وإن كان ضعيفا فإنه يشهد له ما أخرجه أحمد أحمد والدرامي والطبراني من حديث أبي حمعة قال: قال أبو عبيدة: يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: "قوم يكونون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني", وإسناده حسن وقد صححه الحاكم٤ واستثنى ابن عبد البر أهل بدر والحديبيه.

وأجاب الجمهور بالجمع بين الأحاديث مم يلاقي كلام سعد الدين الذي أسلفناه إلا أنهم زادوا بأن ذلك يكون في حق بعض الصحابة وأما مشاهير الصحابة فإنهم جازوا مراتب السبق في كل نوع من أنواع الخبر قالوا وأيضا فالمفاضلة بين الأعمال بالنظر إلى الأعمال المتساوية في النوع ونضولة الصحبة مختصة بالصحابة لم يكن لمن عدالة شيء من ذلك النوع وإذا عرفت هذا عرفت أن استدلال المنصور بالله مبني على ما ذهب إليه الجمهور.

"وأما الحجج على عدالة مجاهيل الصحابة" هم الذي لم يعرف لهم شيء سوى الصحبة "فكثيرة جدا وقد ذكرت منها جملة شافية في العواصم والقواصم" ذكر فيها اثنين وثلاثين دليلا على قبول فساق التأويل وهي أدلة شاملة للمجاهيل من أهل ذلك العصر لأنه إذا لم يعرف للصحابي إلا الإسلام الصحبة فقبوله أولى من قبول من كان مسلما فاسق تأويل وقد أجمع على قبوله فالأولى قبول مجهول الصحابة.


١ سبق تخريجه.
٢ أبو داود في الملاحم ب ١٧. والترمذي في تفسير سورة ٥. وابن ماجة في الفتن ب ٢١.
٣ سبق تخريجه.
٤ ٤/٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>