للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم ارتكاب مذاهب الدهرية١. وسلَّهم من ربقة العبودية بالكلية، فسحقاً سحقاً لإلهٍ هذه حكمته ومحقاً محقاً لربٍّ هذا تدبيره.

فلو أن إنساناً نشأ ببعض الجزائر المنقطعة عن العمران لا يعرف رباً ولا يقرأ كتباً، ولا يدين بملة عرض عليه دين النصارى، فقيل له: إن لك رباً خلقك وأبدعك، ومن صفته أنه رجل مثك يبول ويغوط ويبصق ويمتخط ويجوع ويعطش ويعرى ويكتسي ويسهر وينام، وسارع مع الأنام الكلام وأن إنساناً مثله حقد عليه بعض الأمر فضربه وسحبه، ثم قتله وصلبه بعد أن حطم شعره ولطم نحره، فجاور الأموات وتعذر عليه روح الحياة وفات.


١ الدهرية: أنكروا الخالق والرسالة والبعث والإعادة، وهم الذين أخبر عنهم القرآن الكريم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاّ الدَّهْرُ} .] سورة الجاثية، الآية: ٢٤ [. وزعموا بأن العالم قديم لم يزل ولا يزال، وما ثم إلاّ أرحام تدفع، وأرض تبلع، وسماء تقلع ... الخ. ويسمون بالملاحدة.
ودهرية زماننا يسمون بالشيوعية الماركسية والاشتراكية والوجودية. (ر: الفصل - لابن حزم ١/٤٧، الملل للشهرستاني ٢/٣، ٢٣٥، البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان - للسكسكي الحنبلي ص ٨٨، إغاثة اللهفان - لابن قيم الجوزية ٢/٢٥٥) .
إن ما ذكره المؤلّف - في زمنه - من اعتناق كثير من النصارى لمذهب الدهرية والإلحاد وإناكر الروبية وأنه ناتج عن عقيدة النصارى السخيفة التي لا يقبلها عقل صحيح ولا فطرة سليمة - نجده واضحاً وبارزاً في زماننا حيث أخذت العقيدة الدينية في الذبول وأصبح الإلحاد مفخرة الأندية حتى أندية الكنيسة نفسها، وظهرت الشعارات الإلحادية المختلفة فكان شعار الثورة الفرنسية (أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس) ، وشعار الثورة الشيوعية: (الدين أفيون الشعوب) ، وشعار العلمانية: (فصل الدين عن الحياة والدولة) . وقد ملئ الفراغ العقدي عند النصارى بالاتّجاه الوثني الروماني الذي تمثله في العصر الحديث الأفكار المادية، فنشأت في المجتمعات والبلاد النصرانية المذاهب المادية الهدامة كالشيوعية الماركسية والبرجماتية والوجودية والداروينية والفريدوية وخلافها من الأمراض العقلية التي أنتجها العقل البشري المريض. وذلك يفسر لنا الانحلال الاجتماعي الرهيب والانهيار الأسري والخلقي والروحي في المجتمع الغربي النصراني.

<<  <  ج: ص:  >  >>