للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنجيل، أما شواهد العقول: فإن العقل فاضٍ بأن الشخص الواحد لا يكون حالاً في عدّة مواضع في حالة واحدة، بل إن شغل مكاناً فرغ من الآخر لا محالة. وأما شواهد الإنجيل: فإنها / (١/١٣٢/أ) مصرحة بأن المسيح كان إن حلّ بالناصرة فارق أورشليم، وإن حلّ بأورشليم فارق الناصرة، ولم يتحدّد له ما يرفع هذا الحكم.

فإن قالوا: لم يرد المعية بذاته بل بعلمه كقول الكتاب العزيز: {وَهُوَ مَعَكُم أَيْنَمَا كُنْتُم} ١. قلنا: فاسلكوا التأويل في جميع ظواهر الإنجيل ترشدوا.

فلو ألهم النصارى رشدهم لمحوا هذا الفصل من الإنجيل ودرسوا٢ خبره، وعفوا أثره، وأدبوا من ينطق به، فإن اللافظ به إنما يُعَرض سبّ إلههم والتنقص من معبدوهم، وإنه فصل وخيم، والعار عليهم في نشره عظيم، إذ مضمونه أن اليهود الملاعين والعبيد المدبرين عدوا على إلههم، ورصدوه، وتوقعوا غرته، فقصدوه، فوضعوا أيديهم عليه ذليلاً، وأناطوا به جوامع وكبولاً، ولم يجد إلى الإفلات منهم سبيلاً.

وهرب تلاميذه عنه وأسلموه، فتناوله أعداؤه بيد القسر وتسلموه وساقوه بينهم يحمل جذعة أسيراً، ثم لُطم حتى حُطِّم، وأُرضع لبان الهوان حتى ودَّ لو قُطم، وتفل في وجهه القيام والقعود من أراذل اليهود، فنَزل به من الدهش


١ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . [سورة الحديد، الآية: ٤] .
٢ درس: عفا: محا من المحو، والإمحاء. كما في القاموس ص ٧٠١، ١٦٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>