للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الكلام عدة مفاسد، منها: أن المسيح اسم لا يخص الكلمة على تجردها ولا الجسد على تجرده. بل هو اسم يخص هذا الجسد المأخوذ من مريم والكلمة معاً. ولم تكن الكلمة في الأزل تسمى مسيحاً. فبطل أن يكون هو الذي نزل من السماء. والدليل على ذلك قولهم: "وتجسد من روح القدس". لأنه لو كان الذي نزل هو المسيح لم يكن لتجسده ثانية معنى. وتجسد المتجسد محال.

ومنها: قولهم:"إنه نزل من السماء".وهذا الموصوف بالنُّزُول لا يخلو أن يكون الكلمةأوالناسوت، فإن/ (٢/٣٠/ب) زعموا أن الذي هو الناسوت فذلك مكذّب بنصوص الإنجيل إذ صرّحت بأن الناسوت مكتسب من جسد مريم.

وإن زعموا أنه اللاهوت، قلنا لهم: أتعنون الأب أم صفته، وهي العلم؟! فإن زعموا أنه الأب نزل وتجسد لزمهم لحوق النقائص [بالباري] ١ من الأكل والشرب والقتل وحصر الشيطان وغير ذلك. ثم ذلك لا يقول به أحد منهم.

وإن زعموا أن النازل المتجسد هو العلم المعبر عنه بالكلمة قلنا لهم: لو جاز على ما وصفتموه من التجسد لجاز أَحَدُ مَخذُورَيْن، وهو إما بقاء الباري ولا علم له، أو جعله عالماً بعلم قائم بغيره. ثم النُّزُول والصعود والحركة والانتقال والتفريغ والاشتغال، كلّ ذلك مستحيل على الباري وعلى صفاته٢. وإذا كان ذلك كذلك بطل أن يكون النّازل من السماء هو المسيح؛ لأن المسيح اسم موضوع للمعنيين: الكلمة والجسد عندهم.


١ في ص (به الباري) والصواب ما أثبتّه
٢ سبق بيان مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك، والرّدّ على شبهة المبتدعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>