للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد صحّ عنه عليه السلام أنه قال: "بعثت إلى الأحمر والأسود" ١. يريد العربي والعجمي. وقد تواتر عنه عليه السلام أنه لم يختص بدعوته قوماً دون قوم، وأنه أرسل رسله إلى ملوك الأطراف والنواحي يدعوهم إلى دينه. والتواتر لا سبيل إلى ردّه. فمن صدَّقه عليه السلام في بعض أقواله لزمه تصديقه في جميع أقواله.

وقد قتل عليه السلام المخالفين لملته من اليهود٢ كما قتل موسى ويوشع وداود-عليهم السلام-من خالفهم من أهل الأديان، فهذا قولنا للعيسوية.

فأما غير العيسوية فإنهم أنكروا النسخ، فمنهم من أنكره عقلاً، ومنهم من أنكره شرعاً. فالذين أنكروه عقلاً قالوا: يستحيل في العقل أن يتعبد الله عباده بشرع يأمرهم فيه بأمر في وقت ثم يأمر بنقيضه في وقت آخر. قالوا: وهذا هو البداء٣. والبداءة لا يجوز إلاّ من جاهل بعواقب الأمور فأما الباري فلا يجوز منه ذلك. إذ الأمر الأوّل إن كان حقّاً / (٢/٤٥/أ) وحكمة فنقضه باطل وسفه وذلك لا


١ أخرجه مسلم ١/٣٧١، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، والبخاري بلفظ: "وكان النبيّ يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس كافة". (ر: فتح الباري ١/٤٣٥، ٤٣٦) .
٢ كيهود بني قريظة، ويهود خيبر. (ر: السيرة لابن هشام ٣/٣٢٤-٣٥٤، ٤٥٥-٤٦٨) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمّد بيده لا يسمع بِيَ أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلاّ كان من أصحاب النار". أخرجه مسلم ٢/١٤٣.
٣ قال الشهرستاني في الملل والنحل ١/١٤٨: "البداء له معانٍ:
البداء في العلم: وهو أن يظهر له ما علم، ولا أظن عاقلاًيعتقد هذا الاعتقادفي الله عزوجل.
والبداء في الإرادة: وهو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم.
والبداء في الأمر: وهو أن يأمر بشيء ثم يأمر بشيء آخر بعده بخلاف لك. ومن لم يُجَوِّز النسخ ظنّ أن الأوامر المختلفة في الأوقات المختلفة متناسخة". اهـ.
والفرق بين النسخ والبداء من وجهين:
أحدهما: أن البداء: هو أن يأمر بالأمر والآمر لا يدري ما يؤول إليه الحال. والنسخ هو: أن يأمر بالأمر والآمر يدري أنه سيحيله في وقت كذا، ولا بدَّ قد سبق ذلك في علمه وحتمه من قضائه.
والثاني: أن سبب النسخ لا يوجب إفساد الموجب لصحة الخطاب الأوّل، والبداء يكون سببه دالاً على إفساد الموجب لصحة الأمر الأوّل. مثل: أن يأمره بعمل يقصد به مطلوباً، فيتبيّن أن المطلوب لا يحصل بذلك الفعل فيبدو له ما يوجب الرجوع عنه. (ر: نواسخ القرآن ص ٨٣، لابن الجوزي، الإحكام في أصول الأحكام ٤/٤٤٦ لابن حزم) .

<<  <  ج: ص:  >  >>