للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

دخل البيت المقدس شكى إليه النصارى ما لقوا من اليهود وكيف مالؤوا عليهم الفرس وسألوه قتل اليهود. فقال: كيف أقتلهم بعد أن أمنتهم؟ فقالوا: نحن نصوم عنك جمعة في أوّل الصوم الكبير كفارة لخطيئتك هذه. وندع أكل اللحم في الصوم ما دامت النصرانية. ونلعن من يخالف ذلك ونُعيَّره ونكتب به إلى الآفاق غفراناً لذنبنك. فأجابهم مسألتهم وملتمسهم وقتل اليهود قتلاً ذريعاً. فصاموا له جمعة في أوّل الصوم وكتبوا بذلك إلى سائر البلاد، وأهل بيت المقدس ومصر يصومونها. وبقية أهل / (٢/٧١/أ) الشام لا يأكلون اللحم١ فيها ويصومون الأربعاء والجمعة٢.

ولا شكّ أنّ هذا وشبهه من باب التلاعب بالدين. وقد صار هذا النمط سجية للنصارى وخلقاً. أليس هم الذين عمدوا إلى إنسان قد تربى بينهم طفلاً ونشأ حتى صار كهلاً فاتّخذوه إلهاً،


١ قال ابن القيم: "وإذا شئت أن ترى التغيير في دينهم، فانظر إلى صيامهم الذي وضعوه لملوكهم وعظمائهم، فلهم صيام للحواريين وصيام لماري مريم، وصيام لماري جرجس، وصيام للميلاد، وتركهم أكل اللحم في صيامهم مما أدخلوه في دين المسيح. وإلاّ فهم يعلمون أن المسيح عليه السلام كان يأكل اللحم. ولم يمنعهم منه لا في صوم ولا فطر. وأصل ذلك: أن المانوية كانوا لا يأكلون ذا روح، فلما دخلوا في النصرانية خافوا أن يتركوا أكل اللحم فيقتلوا، فشرعوا لأنفسهم صياماً فصاموا للمياد والحورايين، وماري مريم، وتركوا في هذا الصوم أكل اللحم محافظة على ما اعتادوه من مذهب ماني، فلما طال الزمان تبعهم على ذلك النسطورية واليعقوبية فصارت سنة متعارفة بينهم ثم تبعهم على ذلك الملكانية". اهـ.
نقل ابن القيم ذلك من تاريخ ابن البطريق (نظم الجوهر) . (ر: إغاثة اللهفان ص ٦١٨، الجواب الصحيح ٣/٣٤) .
٢ ذكر هذه الفضيحة بنصّها ابن القيم في إغاثة اللهفان ص ٦٢٤، والمقريزي في خططه ٣/٥٣٣، ٥٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>