٢- وإما أن يحذف فاعل الشّرّ كقوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} . [سورة الجن، الآية: ١٠] . ٣- وإما أن يسند إلى محله القائم به كقول إبراهيم الخليل عليه السلام: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} . [سورة الشورى، الآية: ٧٨-٨٠] . فلم يسند الخليل عليه السلام الأمراض إلى الله تعالى بل أسند المرض إلى نفسه التي هي محل المرض. وإنما كان الشّرّ شرّاً لانقطاع نسبته إلى الله تعالى. لأنه إن أريد بالشّرّ وضع الشيء في غير موضعه فهو الظلم والله منَزَّه عنه. وإن أريد بالشّرّ الأذى اللاحق بالمحل بسب ذنب ارتكبه فإيجاد الله العقوبة على ذنب لا يعد ذلك شرّاً بالنسبة له بل ذلك عدل منه تعالى. وإن أريد بالشّرّ عدم الخير وأسبابه الموصلة إليه فالعدم ليس فعلاً حتى ينسب إلى الله. وليس للعبد على الله أن يوفقه. فهذا فضله يؤتيه من يشاء. ومنع الفضل ليس بظلم ولا شر. يقول الإمام ابن القيم: "وأسماء الله الحسنى مثل القدوس والسلام تمنع نسبة الشّرّ والسوء والظلم إليه مع أنه سبحانه الخالق لكلّ شيء. فهو الخالق للعباد وأفعالهم. والعبد إذا فعل القبيح المنهي عنه كان قد فعل الشّرّ والسوء. والرّبّ - تعالى - هو الذي جعله فاعلاً لذلك. وهذا الجعل منه عدل وحكمة وصواب. فَجَعَلُه العبدَ فاعلاً خيرٌ وحسنٌ. والمفعول شرّ وقبيح. فهو سبحانه بهذا الجعل قد وضع الشيء موضعه لما له في ذلك من الحكمة البالغة التي يحمد عليها فهو خير وحكمة ومصلحة. وإن كان وقوعه من العبد عيباً ونقصاً وشرّاً". اهـ. (ر: مجموعة الرسائل الكبرى ١/٣٣٦، ٣٣٧، لابن تيمية، وشفاء العليل ص ٣٥٩-٣٦٣، ٤٣٦، ٥٢٧-٥٣١، لابن القيم، وشرح العقيدة الطحاوية ص ٢٨٣-٢٨٦، لابن أبي العز الحنفي، لوامع الأنوار ١/٣٤١-٣٤٣، للسفاريني، الحكمة والتعليل ص ١٩٩-٢٠٤، د. محمّد المدخلي) . ١ الثنوية: هم طائفة من المجوس الذين أثبتوا أصلين اثنين، مدبرين قديمين، يقتسمان الخير والشر. والنفع والضر، يسمون أحدهما: (النور) وبالفارسية (يزدان) . والثاني (الظلمة) وبالفارسية أهرمن، ويزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس الأصليين القائلين بحدوث الظلام. (ر: الفهرست ص ٤٤٢-٤٧٤، لابن النديم. الملل والنحل ١/١٣٢-٢٤٤) .