للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كما هفا١ قوم في لفظ الاستواء٢ والنُّزُول إلى سماء الدنيا٣ ولفظ الوجه٤ والعين٥ واليد٦ والقدم٧ وغير ذلك فحملوا الأمر في هذه


١ في ش: من الهفوة وهي الزلة لفظاً ومعنى.
٢ قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، [سورة طهَ، الاية: ٥] ، والآيات كثيرة في إثبات صفة استواء لله عزوجل على العرش وعلوّه على خلقه، ومعنى {اسْتَوَى} ، - كما فسرّه السلف رحمهم الله -: "ارتفع وعلا واستقرّ وصعد".
٣ قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} . [سورة الفجر، الآية: ٢٢] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينْزِل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل ... " الخ. أخرجه البخاري. (ر: فتح الباري ٣/٢٩، ومسلم ١/٥٢١، ٥٢٣) ، والروايات كثيرة ومتواترة في إثبات صفة نزول الله عزوجل إلى السماء الدنيا كما شاء وكيف شاء.
إن صفتي الاستواء والنُّزُول إلى السماء الدنيا من الصفات الخبرية الثبوتية الفعلية الاختيارية التي تتعلق بمشية الله عزوجل إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها.
٤ قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَام} . [سورة الرحمن، الآية: ٢٧] . والأدلة من القرآن الكريم والسنة المطهرة كثيرة في إثبات صفة الوجه لله عزوجل.
٥ قال تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} . [سورة طهَ، الآية:٣٩] .وقال تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} . [سورة القمر، الآية:١٤] . وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة على أن الله تعالى موصوف بأن له عينين حقيقة على ما يليق بجلاله وعظمته عزوجل.
٦ قال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} . [سورة ص، الآية: ٧٥] . وقال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} . [سورة المائدة، الآية:٦٤] .وغيرها من الآيات والأحاديث الصحيحة التي تثبت صفة اليدين حقيقة لله عزوجل بما يليق بجلاله وعظمته تبارك وتعالى.
٧ قال عليه السلام: "لا يزال يلقى فيها - يعني النار - وتقول: هي من مزيد؟ حتى تضع فيها ربّ العالمين قدمه فينْزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قطٍ قطٍ قطٍ بعزّتك وكرمك".أخرجه البخاري. (ر: فتح الباري١٣/٤٣٤،ومسلم٤/٢١٨٦-٢١٨٨) .
وجملة القول في ذلك: إنّ إطلاق صفات الله عزوجل توقيفية، وتنقسم إلى قسمين:
١- صفات بإثبات مفصل (الصفات الثبوتية) .
٢- صفات بنفي مجمل (الصفات السلبية) .
فالصفات السّلبية؛ هي: ما نفاها الله في كتابه الكريم، أو على لسانه نبيّه صلى الله عليه وسلم، وكلّها صفات نقص في حقّه عزّ وجلّ، كالموت، والنوم، والجهل، والعجز وغيرها، فيجب نفيها عن الله تعالى لما سبق مع إثبات ضدّها على وجه الأكمل.
أما الصفات الثبوتية الخبرية فهي: ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات الكمال لا نقص فيها، وتنقسم إلى قسمين:
أ- صفات ذاتية قائمة بذات الله العلية، وهي التي لم يزل ولا يزال متّصِفاً بها كالوجه والعينين واليدين والقدم وغير ذلك مما وردت به النصوص الصحيحة.
ب- صفات فعلية تتعلق بمشيئته عزوجل إن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها، كالاستواء والنُّزول والمجيء والقبض والبسط.
وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمته إثبات ما أثبته الله ورسوله من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه عزوجل مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد لا في أسمائه ولا في آياته.
(ر: للتوسع: الرسالة التدمرية والجزء الثاني والثالث من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، لوامع الأنوار البهية ١/١٢٣، وما بعدها للسفاريني شرح العقيدة الطحاوية ص ١٢٧، وما بعدها، ومن المراجع الحديثة: كتاب الصفات الإلهية - د. محمّد أمان، وشرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الله الغنيمان، والقواعد المثلى في صفات الله أسمائه الحسنى، للشيخ محمّد بن عثيمين) .

<<  <  ج: ص:  >  >>