للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الحركة العلمية في المشرق أن العلماء المغرابة بدأوا حياتهم العلمية باقتفاء أثر العلماء المشارقة، وتتبعهم والسير في منهجهم، والنسج على منوالهم، ومن لم تمكنه ظروفه المعيشية من الرحلة إلى المشرق، لم يعدم أستاذًا عاش فيه، ليتأثر به.

هذا وقد كان المجتمع الذي ضم الشيخ بين أحضانه مجتمعًا مضربًا، اختلطت فيه الدماء والأجناس بالأحداث. فتميز أهله بالميل الشديد إلى الثورة، والانطباع على القسوة والغلظة، وحب القتل، والتلذذ بمناظر الدماء.

واختلف الناس في كل شيء: في الأخلاق، هي العادات، في التقاليد، في الأديان، كما اختلفوا في فهم الحياة، وألوان المعيشة، فانقسم المجتمع طبقات يعلو بعضها رقاب بعض.

وشاع الانحلال الخلقي، وتفشت الفاحشة في كل مكان، فظهر التعصب للدين، وللمذهب، وللجنس.

وكان كل هذا، بل بعضه داعيًا للشيخ، ولأمثاله من العلماء المخلصين إلى أن يعتزلوا المجتمع، ويبتعدوا عنه، منقطعين للعلم والعبادة، مؤثرين التمسك بأهداب الدين على الاختلاط المشبوه.

لذا لم يحفظ التاريخ بين سطوره أن ابن مالك شغل وظيفة هامة، أو تولى منصبًا ذا قيمة، بل قنع بأن يكون طول حياته قارئًا متواضعًا على التربة العادلية، وهمه في حياته: "الدين والعبادة، وكثرة النوافل" (١).


(١) نفح الطيب ٧/ ٣٦٣، بغية الوعاة ص ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>