فما كانَ من هذا وشَبَهه لم يَجِبْ به فضْلٌ إِذا وجَبَ، إلاَّ بمعناهُ أو بمُتون أَلفاظِه، دونَ نَظْمه وتأليفه، وذلك لأنه لا فضيلةَ حتى تَرى في الأمرِ مَصْنعاً، وحتى تَجدَ إِلى التخيُّر سبيلاً، وحتى تكونَ قد استدركْتَ صَواباً.
٨٦ - فإِن قلْتَ: أفلَيْسَ هو كلاماً قد اطَّرد على الصَّواب، وسَلِم من العَيْب؟ أَفَما يكونُ في كثرةِ الصوابِ فضيلةٌ؟
قيلَ: أَمّا والصوابُ كما تَرى فَلاَ. لأنَّا لَسْنا في ذكْر تقويمِ الِلسان، والتحرُّز منَ اللحن وزيغ الإعراب، فتعتد بمثلِ هذا الصَّواب. وإِنما نحن في أمورٍ تُدرَك بالفِكَر اللطيفةِ، ودقائقَ يُوصلُ إِليها بثاقِب الفهم، فليس درك صواب دركًا يما نحنُ فيه حتى يَشْرُفَ موضعُه، ويَصعُبَ الوصولُ إِليه وكذلك لا يكونُ تَرْكُ خطأٍ تَرْكاً حتى يُحتاجَ في التحفُّظِ منه إِلى لُطْف نظَرٍ، وفَضْل رويةٍ، وقوةِ ذهنٍ، وشدةِ تيقظٍ. وهذا بابٌ يَنبغي أَن تُراعِيَه وأن تُعْنى به، حتى إِذا وازنْتَ بينَ كلامٍ وكلامٍ ودريتَ كيفَ تَصْنعُ، فضمَمْتَ إِلى كلَّ شَكْلٍ شكْلَه، وقابلْته بما هو نظيرٌ له، وميَّزْتَ ما الصَّنعةُ منه لفي لفظه، مما هو منه في نظمه.
المزية في اللفظ والمزية في النظم كيف تشتبه:
٨٧ - واعلمْ أنَّ هذا أعني الفرقَ بينَ أن تكونَ المزيةُ في اللفظِ، وبينَ أن تكونَ في النظم بابٌ يَكْثُر فيه الغَلطُ، فلا تزَالُ تَرى مُستحسِناً قد أخطأَ بالاستحسانِ موضعَه، فينَحَلُ اللفظَ ما ليسَ له، ولا تزالُ تَرى الشُّبهةَ قد دخلتْ عليك في الكلامِ قد حَسُنَ من لفظِه ونظمهِ، فظننْتَ أنَّ حُسْنه ذلك كلَّه لِلَّفظِ منه دونَ النظْم.
٨٨ - مثالُ ذلك، أن تنظرَ إِلى قولِ ابن المعتز:
وإني على إشفاق عيني من العِدى ... لتجمح مني نظرة ثم أطرق١