للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عود إلى الاحتجاج على بطلان مذهب اللفظ]

مشرق في جوانب السمع ما ... يحلقه عَوْدُهُ على المُسْتَعيدِ

حُجَجٌ تُخْرِسُ الألدَّ بألفا ... ظِ فُرادى كالجوهرِ المعْدودِ

ومَعانٍ لو فصَّلَتْها القَوافي ... هجنت شعر جرول ولبيد

جزن مُستعمَلَ الكلامِ اخْتياراً ... وتجنَّبْنَ ظُلمَةَ التَّعقيدِ

ورَكبْنَ اللّفظَ القريبَ فأدركْنَ ... بهِ غايةَ المرادِ البَعيدِ

كالعَذارَى غَدَوْنَ في الحُلَلِ الصُّفْـ ... ـرِ إِذا رُحْنَ في الخطوط السود١

عرضه من ذكر وصف الشعراء الشعر، وأنه يدرك بالعقل، لا بمذاقة الحروف:

٦٠٤ - الغرضُ من كَتْبِ هذه الأبياتِ، الاستظهارُ، حتى إنْ حَمَل حاملٌ نَفْسَه على الغَرَرِ والتقحُّم على غيرِ بصيرةٍ، فَزَعَمَ أنَّ الإعجازَ في مذاقةِ الحروفِ، وفي سلامَتِها مما يَثقُل على اللسانِ علِمَ بالنظرِ فيها فَسادَ ظنِّه وقبْحَ غَلَطِه، من حيثُ يَرى عياناً أنْ ليس كلامهم كلام من خطر ذلك منه يبالي، ولا صفاتُهم صفاتٍ تَصْلُحُ له على حالٍ. إذْ لا يَخْفَى على عاقلٍ أنْ لم يكن ضرب


١ في ديوانه، يقوله في بلاغة محمد بن عبد الملك الزيات الكاتب الوزير، وذكر قبل البيت الأول "عبد الحميد الكاتب" فقال لابن الزيات:
لتفننت في الكتابة حتى ... عطل الناس فن عبد الحميد
و"الفريد"، اللؤلؤ. و "جرول"، الحطيئة، و "لبيد بن ربيعة" الفحل، وفي الديوان والمطبوعة قوله: "حزن مستعمل الكلام" بالحاء المهملة، وهكذا يجري في الكتب، وهو عندي خطأ لا شك فيه، وتصحيف مفسد للكلام والشعر معًا، وإنما هو "جزن" بالجيم المعجمة، من "جاز المكان" إذا تعداه وتركه خلفه. يقول: إن معانيه تعدين مبتذل اللفظ والكلام وتركته، "وتجنبن ظلمة التعقيد، وركبن اللفظ القريب"، وهو اللفظ المختار الجيد الذي لا ابتذال فيه ولا تعقيد. وهو في بعض نسخ الديوان "جزن" بالجيم، وهو الصواب المحض، وأما "حزن" فهو تصحيف يتقي، وكلام يرغب عن مثله. وفي بعض نسخ الديوان: "كالعذارى غدون في الحلل البيض"، وهي جيدة.