للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مواضع التقديم والتأخير:]

١٠٢ - وكذلك صَنعوا في سائرِ الأبواب، فجعلوا لا ينظرون في "الحذف والتكرار" و "الإظهار والإضمار"، و "الفصل والوصلِ"، ولا في نَوْع من أنواعِ الفُروق والوجوه إِلا نَظَرُك فيما غيرُه أهمُّ لك، بل فيما إِنْ لم تعلَمْه لم يَضُرَّك.

لا جَرَمَ أَنَّ ذلك قد ذَهَبَ بهم عن معرفةِ البلاغةِ، ومنَعَهم أن يَعرفوا مقاديَرها، وصد بأوجههم عن الجهةِ التي هي فيها١، والشِّقِّ الذي يَحْويها. والمَداخِلُ التي تَدخُلُ منها الآفةُ على الناس في شأنِ العلم، ويَبْلُغ الشيطانُ مُرادهَ منهم في الصدِّ عن طَلبهِ وإِحراز فضيلتهِ كثيرة، وهذه من أعجبها، وإن وجَدْتَ متعجِّباً.

وليتَ شِعْري، إِن كانت هذه أموراً هيِّنة، وكان المدى فيها قريباً والجَدى يسيراً٢، من أينَ كانَ نَظْمٌ أشرَفَ من نَظمٍ؟ وبِمَ عَظُمَ التفاوتُ، واشتدَّ التباينُ، وتَرقَّى الأمرُ إِلى الإِعجازِ، وإِلى أن يَقْهر أعناقَ الجبابرة؟ أو ههنا أمورٌ أُخَرٌ نُحيلُ في المزيّةِ عليها، ونَجْعلُ الإعجازُ كان بها، فتكونَ تلكَ الحوالةُ لنا عذْراً في تركِ النَّظرِ في هذهِ التي معنا، والإعراضِ عنها، وقلَّة المبالاةِ بها؟ أَوَ ليس هذا التهاونُ، إنْ نَظَر العاقلُ، خِيانةً منه لِعقله ودينهِ، ودخُولاً فيما يُزري بذي الخَطَر، ويغضُّ من قَدْر ذَوي القَدر؟ وهل يكون أضعفُ رأياً، وأبعدُ من حُسْن التدبُّر، منك إِذا أهمَّك أن تعرفَ الوجوهَ في "أأنذرتهم"٣، والإِمالة في "رأى القمر" وتعرفَ "الصَّرَاطَ"


١ في المطبوعة: "وصد أو جههم".
٢ "الجدى"، النفع.
٣ في المطبوعة: "إذا همك"، وفي "س": "إذا أهمك".