للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضميرِ "الليل"، ولأنْ جعلَ كذلك "البينُ" مبتدأ، وأجرى محْجوراً خبراً عنه١، وأنْ أخرجَ اللفظَ عَلَى "مفعولٍ". يُبيِّنُ ذلك أَنَّكَ لو قلْتَ:

"وغرابُ البينِ محجورٌ عليه، أو: قد حُجرَ على غُرابِ البين"، لم تجد لههذه المَلاحة. وكذلك لو قلتَ: "قد دَجا كَنَفَا جلبابِ اللَّيل"، لم يكنْ شيئاً.

٩٥ - ومن النَّادِر فيه قول المتنبي:

غَصَبَ الدهرَ والملوكَ عَلَيْها ... فَبنَاها في وَجْنة الدَّهرِ خَالا٢

قد تَرى في أَول الأمرِ أنَّ حُسْنه أَجْمَع في أنْ جَعلَ للدَّهرِ "وَجْنةً"، وجَعَلَ البُنيَّة "خالاً" في الوجنة٣، وليسَ الأَمرُ على ذلك، فإنَّ مَوْضعَ الأُعجوبةِ في أنْ أَخْرج الكلام مخْرجَهُ الذي تَرى، وأَنْ أَتَى "بالخالِ" منصوباً على الحال من قوله "فَبنَاها". أفَلاَ ترى أَنك لو قُلْتَ: "وهي خالٌ في وَجْنة الدَّهر"، لوجدْتَ الصورة غيرَ ما تَرى؟ وشبيهٌ بذلك أنَّ ابنَ المعتزَّ قال:

يا مِسْكةَ العطَّارِ ... وخالَ وَجْهِ النهارِ٤

وكانت المَلاحَةُ في الإِضافةِ بعد الإضافة، لا في استعارةِ لفظةِ "الخالِ" إذْ معلومٌ أَنه لو قالَ: "يا خالا في وجهِ النهار" أو "يا مَنْ هو خالٌ في وجْه النهار"، لم يكن شيئًا.


١ في "ج": "خبرًا عليه".
٢ في ديوانه.
٣ "البنية"، البناء، يعني قلعة الحدث التي بناها سيف الدولة، وهو يقاتل الروم في سنة ٣٤٤ هـ.
٤ في ديوانه، "باب الأوصاف والذم والملح"، بقوله لجارية سوداء.