للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يُحتملُ كلُّ واحدٍ منهما أَنْ يكونَ مبتدأً ويكونُ الآخرُ خبراً له، فتُقَدِّمُ تارةً هذا على ذاك، وأخرى ذاكَ على هذا. ومثالُه ما تَصْنعه بزيدٍ والمنطلقِ، حيث تقولُ مرة: "زيدٌ المنطلقُ"، وأُخرى، "المنطلقُ زيدٌ"، فأنتَ في هذا لم تُقدِّمْ "المنطلقَ" على أن يكونَ مَتروكاً على حُكْمه الذي كان عليه معَ التأخير، فيكونَ خبرَ مبتدأ كما كانَ، بل على أَنْ تَنْقلَه عن كَونه خبراً إِلى كونهِ مبتدأً، وكذلك لم تؤخِّر "زيداً" على أن يكون مُبتدأ كما كان، بل على أن تُخرجَه عن كونِه مبتدأً إلى كونِه خبراً.

وأَظهرُ من هذا قولُنا: "ضَربتُ زيداً" و "زيد ضربتُه"، لم تُقدِّم "زيداً" على أن يكون مفعولاً منصوباً بالفعل كما كان، ولكن على أن تَرْفَعه بالابتداءِ، وتشغلَ الفعلَ بضميرِه، وتجعلَه في موضع الخبر له. وإذا قد عرفتَ هذا التقسيمَ، فإِني أُتبعه بجملةٍ من الشرح.

التقديم للعناية والاهتمام:

١٠٠ - واعلمْ أَنَّا لم نَجدْهُم اعْتَمدوا فيه شيئاً يَجري مَجرى الأَصْل، غيرَ العنايةِ والاهتمامِ. قال صاحبُ الكتاب، وهو يَذكُر الفاعلَ والمفعولَ١: "كأنَّهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم، وهم ببيانه أَعْنى، وإِن كانا جميعاً يُهمَّانِهم ويَعْنيانِهم" ولم يَذْكر في ذلك مثالاً.

وقال النحويون: إنَّ معنى ذلك أَنه قد يكونُ من أغراضُ الناس في فعلٍ ما أنْ يَقَع بإنسانٍ بعينهِ، ولا يُبالون مَنْ أَوْقَعَه، كَمِثل ما يُعلمُ مِنْ حالِهم في حالِ الخارجيَّ يَخْرُج فيعيثُ ويُفْسِد، ويَكْثُرُ به الأذى، أَنهم يُريدون قتله،


١ فيه هامش "ج": "يعني به شيخ النحو سيبويه"، والنص في الكتاب ١: ١٤، ١٥، وفي المطبوعة و "ج"، "بشأنه أعني"، وأثبت ما في سيبويه، وفي "س".