للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإِنَّه إِذا قال١: "أَفَعَلْتَ؟ " فهو يقرره بالفعلِ مِنْ غيرِ أن يُردِّدَه بينَه وبينَ غيرهِ٢، وكان كلامُه كلامَ مَنْ يُوهِمُ أنه لا يَدْري أنَّ ذلك الفعلَ كان على الحقيقةِ وإِذا قال: "أأنت فعلتَ؟ "، كان قد ردَّدَ الفعلَ بينهُ وبين غيره، ولم يكُنْ منهُ في نفيِ الفعلِ تردُّدٌ٣، ولم يكنْ كلامُه كلامَ مَنْ يُوهم أنه لا يَدْري أَكانَ الفعلُ أمْ لم يَكُنْ، بدلالةِ أَنك تقولُ لك والفعلُ ظاهرٌ موجودٌ مشارٌ إِليهِ، كما رأيْتَ في الآية.

١٠٦ - واعلمْ أنَّ "الهمزةَ" فيما ذكرنا تَقريرٌ بفعلٍ قد كان، وإنكارٌ له لِمَ كان، وتوبيخٌ لفاعِلِه عليه.

ولها مذهبٌ آخَرُ، وهو أن يكون الإنكار أَنْ يكونَ الفعلُ قد كانَ مِنْ أَصْله. ومثالُه قولُه تعالى {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} [الإسراء: ٤٠]، وقولُه: عزَّ وجلَّ: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِين، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: ١٥٣، ١٥٤]، فهذا رَدٌّ على المشركينَ وتكذيبٌ لهم في قولِهم ما يُؤَدِّي إِلى هذا الجهلِ العظيم، وإذا قدم الاسم فيهذا صارَ الإنكارُ في الفاعل. ومثالُه قولُكَ للرجل قد انْتَحلَ شِعراً: "أأَنْتَ قلتَ هذا الشعرَ؟ كذبتَ، لسْتَ ممنْ يُحْسِن مِثلَه"، أَنْكَرْتَ أنْ يكون القائل ولم تنكر الشعر.


١ "فإنه"، جواب قوله: "فإن قلت".
٢ في "ج" فوق: "يردده" ما نصه: "أي الفعل"، يعني أن الضمير يعود إلى، "الفعل" لا إلى المسئول.
٣ في "ج" أسقط جملة: "ولم يكن ..... تردد".