للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١١٧ - ومما هو مثالٌ بيِّن في أنَّ تقديمَ الاسم يقتضي وجود الفعل قوله:

ومَا أنا أَسقَمْتُ جِسْمي بهِ ... وَلا أنا أَضرمتُ في القلبِ ناراً١

المَعنى، كما لا يَخفي، على أن السُّقمَ ثابتٌ موجودٌ، وليس القصدُ بالنفي إليه، ولكنْ إلى أن يكونَ هو الجالبَ له، ويكونَ قد جرَّه إلى نفسه.

ومثله في الوضوح قوله:

وما أنا وَحدي قلتُ ذا الشعرَ كلَّهُ٢

"الشعرُ" مَقولٌ على القَطْع، والنفَّي لأنْ يكونَ هو وحده القائل له.

١١٨ - وههنا أَمران يَرتفعُ معهُما الشكُّ في وجوبِ هذا الفَرْق، ويَصيرُ العِلمُ به كالضَّرورة.

أحَدُهما: أنه يَصِحُّ لكَ أن تقولَ: "ما قلتُ هذا، ولا قاله أحد من الناس"، و "ما ضربتُ زيداً، ولا ضَرَبَه أحدٌ سوِاي"، ولا يصحُّ ذلك في الوجهِ الآخر. فلو قلتَ: "نما أنا قلتُ هذا، ولا قالَه أحدٌ من الناس" و "ما أنا ضَربتُ زيداً، ولا ضرَبَهُ أَحدٌ سواي"، كان خلفًا من القول٣، وكان من التَّناقضِ بمنزلةِ أن تقولَ: "لستُ الضاربَ زيداً أمس"، فتثبت أنه قد ضرب،


١ هو شعر المتنبي في ديوانه.
٢ هو من شعر المتنبي، في ديوانه، وتتمة البيت:
ولكن لشعري فيك من نفسه شعر
٣ "الخلف"، بفتح الخاء وسكون اللام، الردئ من القول، يقال في المثل: "سكت ألفًا، وتطلق خلفًا".