للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٢٨ - فإِن قلتَ: فمِن أينَ وجَبَ أن يكونَ تقديمُ ذِكْر المحدِّثِ عنه بالفعلِ، آكَدَ لإِثباتِ ذلك الفعلِ له، وأن يكونَ قولُه: "هما يَلبسان المجْدَ"١، أبلغَ فى جعلِهما يلبسانهِ من أن يقال: "يلبسانِ المجد"؟

فإنِّ٢ ذلك من أَجْل أنه لا يُؤتى بالاسم مُعَرَّى منَ العوامل إلاَّ لحديثٍ قد نُويَ إسنادُه إليه، وإِذا كان كذلك، فإن قلت: "عبد الله"، فقد أشعرت قبله بذلك أنك قد أردتَ الحديثَ عنه، فإِذا جئتَ بالحديث فقلت مثلاً: "قامَ" أو قلتَ: "خرجَ"، أو قلتَ: "قَدِمَ" فقد عُلم ما جئتَ به وقد وطَّأْتَ له وقدَّمتَ الإِعلام فيه، فدخلَ على القلب دُخولَ المأنوسِ به، وقلبه قبول المهيأ له المطمئن إليه، ولك لا محالة أشد لثبوته، وأتقى للشُّبهة، وأَمنعُ للشكَّ، وأدخلُ في التَّحقيق.

١٢٩ - وجملةُ الأمر أنه ليس إعلامُك الشيءَ بغتةً غفلًا، مثْلَ إعلامِك له بعْدَ التنبيهِ عليه والتقدمةِ له، لأنَّ ذلك يَجْري مَجْرى تكريرِ الإِعلام في التأكيد والإحكام. ومن ههنا قالوا: إنَّ الشيءَ إذا أُضْمِر ثمَّ فُسِّر، كان ذلك أفخمَ له مِنْ أن يُذكَر من غير تقدمة إضمار٣.

ويدل على صحة ما قالوه أننعلم ضرورةً في قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ} [الحج: ٤٦] فخامةً وشرفاً وروعةً، لا نَجد منها شيئاً في قولنا: "فإن


١ انظر الفقرة رقم: ١٢٥
٢ "فإن ذلك" جواب قوله آنفًا: "فمن أين وجب". وفي نسخة عند رشيد رضا: "قلت: ذلك من أجل ... ".
٣ في المطبوعة وحدها: "تقدم إضمار".