للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو الذي منه الإحياء والإماتة والغناء والإقناءُ. وهكذا كلُّ موضعٍ كان القصدُ فيه أن تثبت المعنى في نفسه فعلًا للشيء، وأن تخبر بأنَّ مِن شأنِه أن يكونَ منه، أوْ لا يكونُ إلاَّ منه، أوْ لا يكونَ منه، فإنَّ الفعلَ لا يُعدَّى هناك، لأَنَّ تعديته تَنْقُضُ الغرضَ وتُغيِّر المعنى. ألا ترى أنكَ إذا قلتَ: "هو يُعطي الدنانيرَ"، كان المعنى على أنك قصدْتَ أن تُعْلمَ السامعَ أنَّ الدنانيرَ تَدْخلُ في عطائِه، أو أنه يُعْطيها خصوصاً دونَ غيرها، وكان غرَضُك على الجملة بيانَ جنسِ ما تناولَه الإعطاءُ، لا الإعطاءُ في نفسِه، ولم يكن كلامُك معَ مَنْ نَفَى أن يكونَ كان منه إعطاءٌ بوجهٍ من الوجوه، بل مع مَن أَثْبَتَ له إعطاءً، إلا لم يُثبت إعطاءَ الدنانير. فاعرفْ ذلك، فإنه أصْلٌ كبيرٌ عظيمُ النفعِ.

فهذا قسمٌ من خُلوِّ الفعلِ عن المفعولِ، وهو أنْ لا يكون له مفعول يمكن النص عليه.

القسم الثاني: حذف مفعول مقصود، لدلالة الحال عليه، وهو قسمان، أولهما الجلي

١٥٦ - وقسمٌ ثانٍ: وهُوَ أن يكونَ له مفعولٌ مقصودًا قَصْدُه معلومٌ، إلا أنه يُحْذَفُ من اللفظ لدليلِ الحالِ عليه. وينقَسِم إلى جَليٍ لا صنعةَ فيه، وخَفِيٍّ تَدخلُه الصنعةُ.

فمثالُ الجليِّ قولُهم: "أصغَيْتُ إليه"، وهم يُريدون "أذني"، و "أغضيت عليه"، والمعنى "جفني".

القسم الثاني: الخفي الذي تدخله الصنعة ومثاله الأول

١٥٧ - وأما الخَفيُّ الذي تدخلُه الصنعةُ فيتفنَّنُ ويتنوَّعُ.

فنوعٌ منه، أنْ تَذكُر الفعلَ وفي نفسِك له مفعولٌ مخصوصٌ قد عُلمَ مكانُه، إما بجري ذكر١، أو دليل حال، إلا أنك تنسبه نفسك وتخفيه،


١ في المطبوعة وحدها "لجري ذكر".