للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٦٠ - ومثاله قول عمرو بن معدي كرب:

فلوْ أنَّ قَوْمي أَنطَقَتْني رماحُهُمْ ... نَطَقْتُ ولكنَ الرماحَ أَجرَّتِ١

"أَجرَّتْ" فعلٌ مُتَعدِّ، ومعلومٌ أنه لو عدَّاه لَمَا عدَّاهُ إلاَّ إلى ضميِر المتكلم نحوُ: "ولكنَّ الرماحَ أجرًّتْني" وأنه لا يتصور أن يكون ههنا شيءٌ آخرُ يَتعدَّى إليه، لاستحالة أنْ يقول:

فلو أنَّ قومي أنطقتني رماحُهم

ثم يقول: "ولكنَّ الرماحَ أجرَّتْ غَيري"، إلا أنك تَجدُ المعنى يُلزمُك أنْ لا تنطقَ بهذا المفعولِ ولا تُخرِجَه إلى لفظك. والسببُ في ذلك أَنَّ تَعْديتَكَ له تُوهِمُ ما هو خِلافُ الغَرَضِ، وذلك أنَّ الغرَضَ هو أن يثْبتَ أنه كان منَ الرماح إجْرارٌ وحبْسُ الألسنِ عن النطق٢، وأن يصحَّح وجودُ ذلك. ولو قال: "أجرَّتْني"، جازَ أن يُتوهَّم أنه لم يَعْن بأن يُثبِتَ للرماح إجراراً، بل الذي عنَاه أن يَبيِّنَ أنها أجرَّتْه٣. فقد يُذَكرُ الفعلُ كثيراً والغرَضُ منه ذكْرُ المفعول، مثالُه أنك تقولُ: "أضَربْتَ زيداً؟ " وأنتَ لا تُنكِرُ أن يكون كان منَ المخاطب أو يستطيعَه. فلمَّا كان في تعديةِ "أجرَّت" ما يُوهِمُ ذلك، وقَفَ فلم يُعدِّ البتَّةَ، ولم ينطق بالمفعول، لخلص العنايةُ لإثباتِ الإجرارِ للرماحِ وتصحيحِ أنه كان منها، وتسلم بكليتها لذلك.


١ هو في ديوانه المطبوع، وهو في شرح الحماسة ١: ٨٤. و "أجر الفصيل"، شق لسانه ووضع فيه عودًا لئلا يرضع أمه، ويعني عمرو أن قومه لم يبلوا بلاء حسنًا في حربهم، ولو أحسنوا البلاء لنطق بمدحهم، ولكنهم أساءوا، فكانت إساءتهم قاطعة للسانه، فبقى لا ينطق.
٢ في المطبوعة: "حبس الألسن".
٣ في المطبوعة: "يتبين".