للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها حَذْفُ مفعولٍ مقصودٍ قصْدُه في أربعةِ مواضع قوله: "لملت"، و "ألجئوا" و "أدفأت" و "أظلت"، لأن الأصل: "لملتنا" و "ألجئونا إلى حجرات أدفأَتْنا وأظلَّتْنا"، إلاَّ أنَّ الحالَ على ما ذكرتُ لكَ، من أَنه في حَدِّ المُتناسي١، حتى كأَنْ لا قَصْدَ إلى مفعولٍ، وكأَنَّ الفعل قد أُبهِمَ أَمرُه فلم يُقْصَدْ به قصْدُ شيءٍ يقع عليه، كما يكونُ إذا قلتَ: "قد ملَّ فلانٌ"، تريدُ أن تقولَ: قد دَخَلَهُ المَلالُ، من غيرِ أن تَخُصَّ شيئاً٢، بل لا تَزيد على أن تَجْعلَ المَلالَ مِنْ صفتهِ، وكما تقولُ: "هذا بيتٌ يُدفئ ويظلُّ"، تُريد أنه بهذه الصفة.

١٦٣ - واعلمْ أنَّ لك في قوله: "أجرت"، و "لملت"، فائدةَ أُخرى زائدةً على ما ذكْرتُ من توفير العناية على إثبات الفعلِ، وهي أن تقولَ: كانَ مِن سُوءِ بَلاءِ القوم ومِنْ تَكْذيبهم عن القتالِ ما يُجِرُّ مثْلَه٣، وما القضيةُ فيه أنه لا يُتَّفَق على قومٍ إلا خَرَس شاعرُهم فلم يَسْتطعْ نطْقاً وتَعْديتُك الفعلَ تَمنُع مِن هذا المعنى، لأنكَ إذا قلتَ: "ولكنَّ الرماحَ أَجرَّتْني"، لم يُمكن أن يتأَوَّل على معنى أَنه كان منها ما شأنُ مِثْلِه أن يُجِرَّ، قضيةً مستمرةً في كلِّ شاعرِ قومٍ٤، بل قد يجوزُ أن يُوجَدَ مثلُه في قومٍ آخرين فلا يُجَرُّ شاعرهم. ونظيره


١ في المطبوعة: "في حد المتناهي"، خطأ محض.
٢ في "س"، ونسخة عند رشيد رضا: "من غير أن تقصد".
٣ "التكذيب"، يقال: "أراد شيئًا ثم كذب عنه"، أي أحجم، ولم يصدق الجملة.
٤ في هامش "ج"، أما هذا الموضع، حاشية أقطع فإنها من كلام عبد القاهر، في نسخته التي نقل عنها كاتب "ج"، وهذا نصها:
[فإن قيل: تقدير العموم مع إضافته لا يتصور، وإنما يتصور ذلك أن لو قال: "لو أن أما تلاقي الذي لاقوه منا لملت" فالجواب: إنه لو كان الغرض من الكلام التمثيل، فإن الخاص فيه يجري مجرى العام. يقول الرجل لصاحبه: "أنت تشكر من لم يحسن إليك"، يريد أن ذلك حكم الجملة، ومثله قوله:
إنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرك مني من خلق
لم يرد أن يخص نفسه بذلك، ويجعله خلقًا هو فيه، بل أراد أن ذلك ما عليه [تمشي] الطباع، فاعرفه].