للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبراعةَ فلا يَعرف لها معنىً سوى الإِطْنابِ في القول، وأنْ يكونَ المتكلمُ في ذلك جهيرَ الصَّوْت، جاريَ اللسان، لا تَعترضه لُكْنه، ولا تقفُ بهِ حُبْسة١، وأنْ يَستعمل اللفظَ الغريبَ، والكلمةَ الوَحشيَّةَ، فإِنِ اسْتظهرَ للأَمر وبالغَ في النظر، فأَنْ لا يُلْحِنَ فيرفع في موضع النصب، أو يُخطئَ فيَجيء باللفظةِ على غيرِ ما هيَ عليه في الوَضْعِ اللُّغويِّ، وعلى خلافِ ما ثَبتتْ به الروايةُ عنِ العرب.

وجملةُ الأمر أنَّه لا يَرى النقصَ يَدْخلُ على صاحبهِ في ذلك٢ إلا من جهةِ نقصِه في علم اللغة، لا يعلم أن ههنا دقائق وأسرار طريق العلم بها الروية والفكر، لطائف مُسْتقاها العَقلُ، وخصائصَ معانٍ ينفردُ بها قومٌ قد هُدُوا إليها، ودُلُّوا عليها، وكُشِف لهم عنها، ورُفعتِ الحُجُب بينَهُم وبينَها٣، وأنها السَّببُ في أنْ عرضتِ المزيَّةُ في الكلامِ، ووجبَ أن يفضُلَ بعضُه بعضاُ، وأن يبعدَ الشأوُ في ذلك، وتمتدَّ الغايةُ، وَيعلوَ المُرتقَى، ويعزَّ المطلبُ، حتى ينتهيَ الأمرُ إلى الإعجازِ، وإلى أن يخرج من طوق البشر.

من ذم الشعر وعلم الإعراب:

٤ - ولمَّا لم تعرفْ هذه الطائفةُ هذهِ الدقائقَ، وهذهِ الخواصَّ واللطائفَ، لم تَتعرضْ لها ولم تَطلبها، ثمَّ عَنَّ لها بسوء الاتفاقِ رأيٌ صارَ حجازاً بينَها وبينَ العلم بها٤، وسَدّاً دونَ أن تصلَ إِليها وَهوَ أَنْ ساءَ اعتقادُها في الشَّعر الذي هو مَعْدنها، وعليه المعوَّلُ فيها، وفي علمِ الإِعرابِ الذي هو لها


١ "الحبسة"، بالضم، اسم احتباس الكلام أي تعذره عنده إرادته. و "اللكنة"، العي والعجز عن القول.
٢ في "س" "في ذلك الأمر".
٣ في "ج" و "س": و "رفع الحجب".
٤ في "س": "حجابًا" مكان "حجازًا".