للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالوا: إنَّ السببَ في امتناعِ ذلكَ: أنَّ الجملَ نكراتٌ كلُّها، بدَلالةِ أنها تُستفادُ، وإنما يستفادُ المجهولُ دونَ المعلوم. قالوا: فلمَّا كانت كذلك، كانت وفق النكرة١، فجازَ وصْفُها بها، ولم يَجُزْ أن توصَفَ بها المعرفة، إذا لم تكن وفقًا لها.

"الذي" توصل بجملة سبق من السامع العلم بها:

٢٢٣ - والقول البين في ذلك أن يقالَ٢: إنَّه إنَّما اجتُلِبَ حتى إذا كان قد عُرِفَ رَجلٌ بقصةٍ وأمْرٍ جَرى له، فتخصَّص بتلك القِصة وبذلك الأمِر عندَ السَّامعِ، ثم أُريدَ القصْدُ إليه، ذُكِرَ "الذي".

تفسيرُ هذا أنك لا تَصِلُ "الذي" إلاَّ بجملةٍ من الكلام قد سَبق مِن السامعِ عِلمٌ بها، وأَمرٌ قد عرَفَه له، نحْوَ أَنْ تَرى عندَه رجلاً يُنشِدُه شعراً فتقولُ له مِنْ غَدٍ: "ما فعلَ الرجلُ الذي كانَ عندَك بالأمسِ يُنْشِدُك الشِّعرَ؟ ".

هذا حُكْم الجملةِ بَعْدَ "الذي"، إذا أنتَ وصفْتَ به شيئاً. فكانَ معنى قولهم: "إنه اجتُلب ليتوَصَّل به إلى وصْف المعارف بالجمل"، أنه جيءَ به لِيَفْصل بين أن يُراد ذِكْرُ الشيءِ بجملةٍ قد عرَفها السامعُ له، وبين أن لا يكون الأمر كذلك.

"الذي" تأتي بعدها أيضا جملة غير معلومة للسامع:

٢٢٤ - فإنْ قلتَ: قد يُؤتى بَعْد "الذي" بالجملة غيرِ المعلومة للسامع، وذلك حيثُ يكون "الذي" خبراً كقولك: "هذا الذي كان عندَك بالأمسِ" و "هذا الذي قَدِمَ رسولاً من الحَضْرة، أنتَ في هذا وشَبَهه تُعْلِم المخاطَبَ أمراً لم يَسْبق له بِه علْمٌ. وتفيدُه في المشارِ إليه شيئاً لم يكنْ عندَه. ولو لم يَكُنْ كذلكَ، لم يكنِ "الذي" خبراً، إذ كان لا يكونُ الشيءُ خبراً حتى يُفَادَ به.


١ في المطبوعة: "وفقًا للنكرة".
٢ في المطبوعة وحدها: "والقول المبين".