٢٥٠ - واعلمْ أنه إنما يَعْرِضُ الإِشكالُ في "الوِاو" دونَ غيرِها مِنْ حروفِ العطفِ، وذاك لأَن تلكَ تفيدُ مع الإِشراكِ معانَي، مثلَ أنَّ "الفاء" توجب الترتيب من غير تراخ، و "ثم" توجيه مَع تراخٍ، و "أوْ" تردِّدُ الفعلَ بينَ شيئين وتجعلُهُ لأّحِدهما لا بِعَيْنِه، فإِذا عطفتَ بواحدة منها الجملةَ على الجملةَ، ظهرتِ الفائدةُ، فإذا قلت:"أعطاني فشكرته"، ظهرَ بالفاءِ أنَّ الشكرَ كان مُعْقَباً على العطاءِ ومسبَّباً عنه وإذا قلتَ:"خرجتُ ثم خرجَ زيدٌ"، أفادتْ "ثم" أن خروجَه كان بَعْدَ خروجِكَ، وأن مُهْلَةً وقعتْ بينهما وإذا قلتَ:"يعطيكَ أو يكسوكَ"، دلَّتْ "أو" على أنه يفعلُ واحداً منهما لا بِعَيْنِه.
وليس "للواو" معنى سوى الإشراكِ في الحكمِ الذي يَقْتَضيهِ الإعرابُ الذي أتبعتَ فيه الثانيَ الأولَ. فإذا قلت:"جاءني زيد وعمرو" لم تقد بالواو شيئاً أكثر من إشراك عمرو في المجيء الذي أثبتَّه لزيدٍ، والجمْعِ بينُه وبينَه، ولا يُتَصوَّرُ إشراكٌ بينَ شيئين حتَّى يكونَ هناك معنى يقعُ ذلك الإِشراكُ فيه. وإذا كانَ ذلك كذلكَ، ولم يكن مَعَنا في قولنا:"زيد قائم وعمرو قاعدٌ" معنى تزعمُ أن "الواو" أشركتْ بَينَ هاتين الجملتين فيه، ثبت إشكال المسئلة.
٢٥١ - ثم إن الذي يوجِبُه النظرُ والتأملُ أّنْ يقال في ذلك: إن اوإن كنا إذا قلنا: "زيد قائم وعمرو قاعد"، فإنا لا نرى ههنا حكماً نزعمُ أنَّ "الواو" جاءتْ للجمعِ بين الجملتين فيه، فإنا نرى أمراً آخرَ نحصُلُ معه على معنى الجمعِ. وذلك أَنّا لا نقول:"زيد قائم وعمرو قاعد"، حتى يكون عمرو بسبب من زيدٍ، وحتى يكونا كالنَّظيرينِ والشريكَيْنِ، وبحيث إذا عرفَ السامُع حالَ الأّوَّل عناه أن يعرفَ حالَ الثاني. يدلُّكَ على ذلكَ أنَّكَ إنْ جئتَ فعطفتَ على الأَوَّل شيئاً ليس منه بسببٍ، ولا هُوَ مما يُذْكَرُ بذكرِه ويتَّصِلُ حديثُه.