والمعاني في ذلك كالأَشخاصِ، فإنما قلتَ مثلاً:"العلمُ حسنُ والجهلُ قبيحٌ"، لأنَّ كونَ العلم حَسَناً مضمومٌ في العقولِ إلى كونِ الجهلِ قبيحًا.
عطف الجمل بالواو:
٢٥٣ - واعلمْ أنَّه إذا كان المخَبرُ عنه في الجملتين واحداً كقولنا:"هو يقولُ ويفعلُ، ويَضُرُّ ويَنْفَعَ، ويُسيءُ ويُحْسِنُ، ويأمُرُ ويَنْهى، ويَحُلُّ ويْعقِد، ويأخُذُ ويُعْطي، ويَبيعُ ويَشْتَري، ويأكُلُ ويشرَبُ" وأشباه ذلك، ازدادَ معنى الجمعِ في "الواو" قوة وظهوراً، وكان الأمْرُ حينئذٍ صريحاً.
وذلكَ أنَّك إذا قلتَ:"هو يَضُرُّ وينفعُ"، كنتَ قد أفدتَ "بالواو" أنكَ أوجبتَ له الفعلينِ جميعاً، وجعلَته يفعلُهما معاً، ولو قلتَ:"يَضرُّ ينفعُ": من غير "واو" لم يجبْ ذلك، بل قد يجوزُ أن يكونَ قولُكَ "ينفعُ"، رجوعاً من قولك "يضرٌّ" وإبطالاً له.
٢٥٤ - وإذا وقعَ الفعلانِ في مثل هذه في الصِّلة، ازدادَ الاشتباكُ والاقترانُ حتى لا يتصوَّرُ تقديرُ إفرادٍ في أحدِهما عن الآخِر، وذلك في مثلِ قولَك:"العَجَبُ من أني أحسنت وأسأت" و "يكفيك ما قلت وسمعت" و"أيحسن أن تنهَى عن شيءٍ وتأتَي مثلَه؟ "، وذلك أنه لا يشتبه على عاقلٍ أنَّ المعنى على جعلِ الفِعْلَين في حكمِ فعلٍ واحد. ومِنَ البيِّن في ذلك قولُه:
لا تَطْمَعُوا أَنْ تُهِينُونَا ونُكْرِمَكُمْ ... وأن نَكُفَّ الأّذَى عَنْكُمْ وتُؤْذُونا١
المعنى: لا تطمعوا أن تروا إكرامنا قد وجد مع إهانتكم، وجامعها في الحصول.
١ شعر الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، شرح الحماسة للتبريزي ١: ١٢١.