للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٨١ - وههنا شيء ىخر دقيقٌ، وهو أنَّك إذا نظرْتَ إلى قوله: "فكان مسير عسهم ذميلا"، وجدْتَه لم يُعْطَف هو وحدَه على ما عُطِفَ عليه، ولكنْ تجدُ العطْفَ قد تناولَ جملةَ البيتِ مربوطاً آخرُه بأَوَّلِهِ. ألا تَرى أنَّ الغرضَ من هذا الكلام أن يَجْعل تولِّيهم بغتةً، وعلى الوجه الذي توهَّم من أجلِه أنَّ البينَ تهيَّبه، مُسْتدعياً بكاءه١، وموجباً أنْ يَنْهملَ دمعُه، فلم يَعْنهِ أنْ يذكر ذملان العيس إلا لليذكر هَمَلانَ الدمعِ، وأن يوفِّق بينهما.

وكذلكَ الحكْمُ في الأول، فنحن وإن كنَّا قلْنا إنَّ العطْفَ على "تَولوا بغتة"، فإنَّا لا نَعْني أن العطُفَ عليه وحَده مقطوعاً عمَّا بَعْدَه، بل العطفُ عليه مَضموماً إليه ما بَعْدَه إلى أخرهِ، وإِنما أردْنا بقولنا "إِنَّ العطفَ عليه"، أن تعلمك أنه الأصْلُ والقاعدةُ، وأن نَصْرفَك عن أن تَطْرَحَه، وتَجْعلَ العطْفَ على ما يَلي هذا الذي تعْطِفُه، فتزعُمَ أنَّ قولَه: "فكانَ مَسِيرُ عيسِهم" معطوفٌ على "فاجأني"، فتَقعُ في الخطأَ كالذي أريناك.

فامر العطف إذ، موضوعٌ على أنَّك تَعْطِفُ تارةً جملةً على جملةٍ، وتَعْمِد أخرى إلى جُملتين أو جملٍ بعضاً على بعضٍ، ثم تعْطفُ مجموعَ هذي على مجموع تلك.

بيان في العطف في الشرط والجزاء:

٢٨٢ - ويَنْبغي أنْ يُجْعَل ما يُصْنَعُ في الشرطِ والجزاءِ من هذا المعنى أصلاً يُعْتَبرُ به.

وذلك أَنَّك تَرى، متى شئتَ، جملتين قد عطفت إحداهما على الأخرى،


١ السياق: "أن يجعل توليهم بغتة .... مستدعيا بكاءه".