للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صَوْغَ الخاتَم، وفي جودةِ العملُ ورداءتهِ، أن تنظر إلى الفضةِ الحاملةِ تلك الصورةِ، أو الذهبِ الذي وقع فيه ذلك العملُ وتلكَ الصنعةُ١ ٢ كذلك مُحالٌ إِذا أردتَ أن تَعرف مكانَ الفضلِ والمزيةِ في الكلامِ، أن تَنظُرَ في مجرَّد معناهُ وكما أنَّا لو فضَّلْنا خاتَماً على خاتمٍ، بأنْ تكونَ فضة هذه أجودَ، أو فَصُّه أنفسَ، لم يكنْ ذلك تفضيلاً له من حيثُ هو خاتمَ كذلك ينبغي إذا فضَّلنا بيتاً على بيتٍ من أجلِ معناه، أن لا يكون ذلك تَفضيلاً له مِنْ حيثُ هو شِعرٌ وكلامِ. وهذا قاطع، فاعرفه.

مقالة الجاحظ في أن المعاني مطروحة في الطريق، وبيان ذلك:

٢٩٨ - واعلمْ أَنك لستَ تنظرُ في كتابٍ صُنِّفَ في شأنِ البلاغةِ، وكلامٍ جاءَ عن القدماءِ، إلاَّ وجدْتَه يَدلُّ على فسادِ هذا المذهبِ، ورأيتَهُمْ يَتشدَّدُون في إنكارِه وَعْيبه والعَيْبِ به.

وإِذا نظرتَ في كتب الجاحظَ وجدتَه يبلغُ في ذلك كلَّ مَبلغٍ، ويتشدَّد غايةَ التشدُّد، وقد انتهى في ذلك إلى أنْ جعلَ العِلْم بالمعاني مشتركاً، وسوَّى فيه بينَ الخاصَّة والعامَّة فقالَ: "ورأيتُ ناساً يُبَهرِجونَ أشعارَ المولَّدينَ، ويَستَسْقطون مَنْ رَواها، ولم أرَ ذلكَ قطُّ إلاَّ في روايةِ غيرِ بَصيرٍ بجوهَر ما يُرْوَى، ولو كان له بَصرٌ لَعَرف موضِعَ الجيِّد ممَّن كانَ، وفي أيِّ زمانٍ كان. وأنا سمعتُ أبا عمرِو الشيبانيَّ، وقدْ بلغَ مِنِ استجادته لهذين البيتينِ ونحنُ في المسجد الجامعِ يومَ الجمعةِ، أن كلَّفَ رجلاً حتَّى أَحضرَهُ قِرطاساً ودواةً حتى كتَبَهما. قال الجاحظُ: وأنا أَزعمُ أنَّ صاحبَ هذين البيتين لا يقولُ شعراً أبدًا، ولولا أن


١ "ذلك" ساقطة من المطبوعة.
٢ السياق: "فكما أن محالًا ...... كذلك محال".