للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معاني الكلامِ عليها، وعن زياداتٍ تَحْدثُ في أصولِ المعاني، كالذي أريتُكَ فيما بينَ "زيدٌ كالأسد" و "كأنَّ زيداً الأسدُ"، وبأنْ لا نَصيبَ للألفاظِ من حيثُ هي ألفاظٌ فيها بوجهٍ من الوُجوه.

٣٠٢ - واعلمْ أنك لا تَشْفي الغُلَّة ولا تنْتهي إِلى ثلجِ اليقينِ، حتى تتجاوزَ حدَّ العلمِ بالشيء مجْملاً، إِلى العِلْم به مفصَّلاً، وحتَّى لا يُقْنِعَك إِلاّ النظرُ في زواياهُ، والتَّغلغلُ في مكامنه، وحتى تكون كمَنْ تتَبَّع الماءَ حتى عرَفَ منْبَعهَ، وانتهى في البحثِ عن جوهرِ العُود الذي يُصْنَع فيه إِلى أنْ يعْرِفَ منْبِتَه، ومَجرى عُروقِ الشجرِ، الذي هو منه، وإنَّا لنراهُم يقيسونَ الكلامَ في معنى المعارَضة على الأعمالِ الصناعيةِ، كنَسْج الديباجِ وصَوْغِ الشَّنْفِ والسِّوَار وأنواعِ ما يُصاغُ١، وكلِّ ما هو صَنْعةٌ وعملُ يَدٍِ، بعد أن يَبلُغَ مبلغاًً يقعُ التفاضُلُ فيه، ثم يَعظُم حتى يَزيدَ فيه الصانعُ على الصانِع زيادةً يكونُ له بها صيتٌ، ويدخُلُ في حدِّ ما يَعْجَزُ عنه الأكثرونَ.

وهذا القياسُ، وإِن كان قياساً ظاهِراً معلوماً، وكالشيءِ المركوزِ في الطباعِ، حتى ترَى العامَّةَ فيه كالخاصَّة فإنَّ فيه أمراً يجبُ العلمُ به: وهو أنه يُتصوَّر أنْ يَبْدأ هذا فيَعْمل ديباجاً ويُبْدِعَ في نقشِه وتصويره، فيجيءُ آخرُ ويَعْمل ديباجاً آخرَ مثْلَه في نقْشهِ وهيئتِه وجملةِ صفتِه، حتى لا يَفْصِلَ الرائي بينهما، ولا يقَعَ لمن لم يَعْرِفْ القصةَ ولم يَخْبُر الحالَ إلا أنهما صنعةُ رجلٍ واحدٍ، وخارجان من تحت يدٍ واحدةٍ. وهكذا الحكْم في سائرِ المصنوعاتِ، كالسِّوار يَصوغُه هذا، ويجيءُ ذاكَ فيعمل سوارًا مثله، ويؤدي صفته كما هي٢، حتى لا يُغادِرَ منها شيئاً البتة.


١ "الشنف"، القرط يلبس في أعلى الأذن، أو القرط عامة، والجمع "شنوف وأشناف".
٢ في المطبوعة: "صنعته"، وعند رشيد رضا في نسخة أخرى كما هنا.