للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل: القول في آية: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِن}

٣٣٥ - واعلمْ أنه إِذا كان بيِّناً في الشيء أنه لا يَحتمِلُ إِلاّ الوجْهَ الذي هو عليه حتى لا يُشْكِلَ، وحتى لا يُحْتاج في العلم بأنَّ ذلك حقُّه وأنه الصوابُ، إِلى فكْرِ ورويةٍ١ فلا مَزِيَّةَ, وإِنما تكونُ المزيةُ ويجِبُ الفضلُ إِذا احتمَلَ في ظاهِر الحالِ غيرَ الوجه الذي جاءَ عليه وجهاً آخرَ، ثمَّ رأيتَ النفسَ تَنْبو عن ذلكَ الوجهِ الآخرِ، ورأيتَ للذي جاء عليه حُسْناً وقبولًا تعدمهما إِذا أنتَ تركْتَه إِلى الثاني.

٣٣٦ - ومثالُ ذلكَ قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} [الأَنعام: ١٠٠]، ليس بخافَ أن لتقديمِ "الشركاءِ" حُسْناً وروعةً ومأخذاً من القلوبِ، أنتَ لا تجدُ شيئاً منه إِنْ أنتَ أخَّرْتَ فقلتَ: "وجعَلوا الجنَّ شركاء الله"، وأنك ترى حالَك حالَ مَنْ نُقِلَ عن الصورةِ المُبْهجة والمَنْظر الرائقِ والحُسْنِ الباهرِ، إِلى الشيءِ الغُفْل الذي لا تَحْلَى منهُ بكثيرِ طائلٍ، ولا تصيرُ النفسُ به إِلى حاصلٍ. والسببُ في أن كانَ ذلك كذلكَ، هو أن للتقديم فائدة شريفة ومعنى جليلاً لا سبيلَ إِليه مع التأخيرِ.

٣٣٧ - بيانه، أنَّا وإنْ كنَّا نرى جملةَ المعنى ومحصولَه أنَّهم جعلوا الجنَّ شركاءَ وعبدوهُمْ مع الله تعالى، وكان هذا المعنى يَحصُلَ مع التأخيرِ حصولَه مع التقديمِ، فإِنَّ تقديمَ "الشركاءِ" يفيدُ هذا المعنى، ويفيدُ معه معنى آخر، وهو أنه ما كانَ يَنبغي أن يكونَ لله شريكٌ، لا من الجن ولا غير الجن.


١ السياق: "واعم أنه إذا كان بيتًا .... فلا مزية".